photo_2021-08-04_19-00-31

The tafsir of the Koran

(الْأَلْفَاظُ) – :
﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾ أَيْ بِاسْمِ اللهِ أَقْرَأُ.
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ صِفَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ مِنْ رَحِمَ. وَالرَّحْمَةُ رِقَّةٌ فِي القَلْبِ وَعَطْفٌ يَبْعَثُ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَ الرَّحْمَانُ أَبَلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ ، وَهُوَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى اللهِ تَعَالَى. وَلَكِنَّ الرَّحِيمَ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا.
الرحمن : كثير الرحمة للمؤمن و الكافر في الدنيا
الرحيم: الكثير الرحمة للمؤمن فقط في الآخرة
قال العلماء:  لا تفسر الرحمة برقة في القلب في حق الله لأنه ليس ذو قلب و لا أعضاء
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾الْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ بِالْفَضِيلَةِ فِيمَا يَصْدُرُ مِنَ الْإِنْسَانِ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الكَرِيمَةِ.
﴿ رَبِّ ﴾ الرَّبُّ فِي الْأَصْلِ مَصْدرٌ بِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ، وَالتَّرْبِيَةُ هِيَ إِبْلَاغُ الشَّيْءِ إِلَى كَمَالِهِ يَسِيرًا يَسِيرًا . وَقَدْ يَكُونُ الرّبُّ صِفَةً مِنْ رَبَّهُ يَرُبُّهُ أَيْ رَبَّاهُ فَهُوَ رَبٌّ أَيْ مُرَبٍّ جأَرْبَابٍ
ج أرباب.
﴿ الْعَالَمِينَ ﴾ جَمْعُ عَالَمٍ. وَ الْعَالَمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ
الْكَائِنَاتِ، فَيُقَالُ: عَالَمُ الْـمَاَءِ وَعَالَمُ الْـمَعَادِنِ إلخ.
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ أَيْ هُوَ مُتَصَرِّفٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ تَصَرُّفَ الْـمَالِكِ فِي مُلْكِهِ . وَالدِّينُ الجَزَاءُ . وَيَوْمُ الدِّينِ مَعْنَاهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ ، وَهُوَ الْقِيَامَةُ.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أَيْ نَخُصُّكَ بِالْعِبَادَةِ.
﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ أَيْ: وَنَخُصُّكَ بِطَلَبِ الْإِعَانَةِ.
﴿ اهْدِنَا﴾ أَيْ دُلَّنَا وَأَرْشِدْنَا.
﴿ الصِّرَاطَ﴾ هُوَ الطَّرِيقُ جَمْعُهُ صُرُطٌ ، وَأَصْلُهُ سِرَاطٌ بِالسِّينِ.
﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ الْـمُسْتَوِيَ الـمُعْتَدِلَ .
أَمَّا ” آمِينْ ” فَاسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ. وَهُوَ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَيُسَنُّ خَتْمُ الْفَاتِحَةِ بِهِ.

( تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ )- :
﴿الم﴾ هَذِهِ الأَحْرُفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا افْتُتِحَتْ بِهِ بَعْضُ السُّوَرِ قِيلَ إِنَّهَا مِن الأَسْرَارِ الـمَحْجُوبَةِ ، وَقِيلَ هِيَ أَسْمَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ هِيَ أَيْمَانٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقِيلَ هِيَ إِشَارَةٌ لِابْتِدَاءِ كَلَامٍ وَانْتِهَاءِ كَلَامٍ . وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلسُّورِ.
﴿الْكِتَابُ﴾ الْـمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقُرْآنُ .
﴿بِالْغَيْب﴾ الْغَيْبُ هُوَ الْخَفِيُّ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ.
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ تَعْدِيلُهَا وَحِفْظُهَا مِنَ الْخَلَلِ.
﴿يُوقِنُونَ﴾ أَيْ يَعْتَقِدُونَ بِلَا شَكٍّ.
﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ الْفَائِزُونَ.

( تَفْسِيرُ الْآيَاتِ ) – :

الم، إِنَّ هَذَا القُرْآنَ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ كَلَامُ اللهِ أُنْزِلَ هِدَايَةً لِأَهْلِ التَّقْوَى ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالأُمُورِ الَّتِي لَا تُدْرِكُهَا حَوَاسُّهُمْ، كَالشُّؤُونِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعَوَالِمِ الرُّوحِيَّةِ.

وَيُؤَدُّونَ الصَّلَاةَ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا، وَيَبْذُلُونَ أَمْوَالَهُمْ لِسَدِّ عَوَزِ الْـمُحْتَاجِينَ.

و يأدون الصلاة

وَيُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَبِالْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ. وَيَعْتَقِدُونَ بِالْآخِرَةِ اعْتِقَادًا لَا تَشُوبُهُ شَائِبَةٌ مِنْ شَكٍّ، وَلَا تُعَكِّرُ صَفْوَهُ كُدُورَةٌ مِنِ ارْتِيَابٍ.

( تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ ) – :
﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ الْإِنْذَارُ التَّخْوِيفُ .
﴿خَتَمَ﴾ أَيْ طَبَعَ. وَإِنَّمَا يُخْتَمُ عَلَى الْأَبْوَابِ لِمَنْعِ الدُّخُولِ إِلَيْهَا، فَيَكُونُ مَعْنَى خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَيْ : أَغْلَقَهَا وَخَتَمَ عَلَيْهَا فَلَا يَنْفُذُ إِلَيْهَا نُصْحٌ وَلَا يَتَسَرَّبُ إِلَيْهَا إِيمَانٌ.
﴿غِشَاوَةٌ﴾ هِيَ مَا يُغَطَّى بِهِ الشَّيْءُ، وَغَشَّاهُ غَطَّاهُ.
﴿يُخَادِعُونَ﴾ الْخِدَاعُ صَرْفُ الْغَيْرِ عَمَّا يَقْصِدُهُ بِحِيلَةٍ يَحْتَالُ بِهَا.
﴿السُّفَهَاءُ﴾ ضُعَفَاءُ الْعُقُولِ ، مِنْ سَفَهَ يَسْفَهُ أَيْ : ضَعُفَ عَقْلُهُ. وَأَمَّا سَفِهَ يَسْفِه فَمَعْنَاهُ شَتَمَ. وَسَفُهَ يَسْفُهُ فَمَعْنَاهُ صَارَ جَاهِلًا.
﴿ شَيَاطِينِهِمْ﴾ الْـمُرَادُ بِالشَّيَاطِينِ هُنَا إِخْوَانُهُمْ فِي الْكُفْرِ.
﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ الطُّغْيَانُ تَجَاوُزُ الحَدِّ فِي العُتُوِّ وَ الْغُلُوِّ .
﴿يَعْمَهُونَ﴾ أَيْ يَتَحَيَّرُونَ، فَإِنَّ الْعَمَهَ هُوَ التَّحَيُّرُ، وَهُوَ لِلْبَصِيرَةِ كَالعَمَى لِلْبَصَرِ.
﴿مَثَلُهُمْ﴾ أَيْ شَبَهُهُمْ . يُقَالُ هُوَ مَثَلُهُ وَ مِثْلُهُ وَمَثِيلُهُ بِمَعْنَى شَبَهُهُ وَشِبْهُهُ وَشَبِيهُهُ .
﴿اسْتَوْقَدَ﴾ أَيْ طَلَبَ الوَقُودَ، وَهُوَ سُطُوعُ النَّارِ وَارْتِفَاعُ لَهَبِهَا.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

أُولَئِكَ الْـمُتَّقُونَ هُمُ الْـمَهْدِيُّونَ الْفَائِزُونَ. أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَسْتَوِي عِنْدَهُمْ أَنْ تُخَوِّفَهُمْ أَوْ لَا تُخَوِّفَهُمْ، لَا يُؤْمِنُونَ. لِأَنَّ اللهَ قَدْ أَغْلَقَ قُلُوبَهُمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ فَلَا يَتَسَرَّبُ إِلَيْهَا عِلْمٌ يُصْلِحُهُمْ وَيُحْيِيهِمْ، وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِطَاءً فَلَا يَرَوْنَ آيَاتِ اللهِ فِي الْكَوْنِ لِيَتَّعِظُوا بِهَا. هَؤُلَاءِ سَيَنَالُهُمْ عَذَابٌ مِنَ اللهِ عَظِيمٌ.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعَمُ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَبِالْآخِرَةِ وَهُمْ كَاذِبُونَ، يَقُولُونَ ذَلِكَ نِفَاقًا وَخَوْفًا مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ. وَقَصْدُهُمْ مِنْهُ مُخَادَعَةُ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَلَوْ عَقَلُوا لَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَخْدَعُونَ أَنْفُسَهُمْ.

هَؤُلَاءِ فِي قُلُوبِهُمْ مَرَضُ الشَّكِّ وَ الْعِنَادِ وَالْحَسَدِ، فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا جَزَاءَ كَذِبِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ. هَؤُلَاءِ إِذَا نَصَحَهُمْ نَاصِحٌ فَقَالَ لَهُمُ انْهَجُوا الصِّرَاطَ السَّوِيَّ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ، مَعَ أَنَّهُمْ فِي الْوَاقِعِ هُمْ جَرَاثِيمُ الْفَسَادِ وَأَسْبَابُ الْبَلَاءِ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ .

وَإِنْ قِيلَ لَهُمْ ادْخُلُوا فِي الْإِيمَانِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، قَالُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ نَكُونَ كَضُعَفَاءِ الْعُقُولِ نُصَدِّقُ الأَوْهَامَ وَنَنْقَادُ لِلْأَضَالِيلِ ؟ مَعَ أَنَّهُمْ هُمْ فِي الْوَاقِعِ ضُعَفَاءُ الْعُقُولِ، خِفَافُ الْأَحْلَامِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

( تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ ) – :
﴿صُمٌّ﴾ جَمْعُ أَصَمٍّ، أَيْ فَاقِدُ السَّمْعِ.
﴿بُكْمٌ﴾ أَيْ خُرْسٌ، جَمْعُ أَبْكَم.
﴿كَصَيِّبٍ﴾ الصَّيِّبُ مِنَ الصَّوْبِ وَهُوَ النُّزُولُ ، يُطْلَقُ عَلَى الْمَطَرِ وَالسَّحَابِ.
﴿ الصَّوَاعِقِ﴾ جَمْعُ صَاعِقَةٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّعْقِ وَهُوَ شِدَّةُ الصَّوْتِ.
﴿فِرَاشًا﴾ الْفِرَاشُ هُوَ مَا يُفْرَشُ وَيُنَامُ عَلَيْهِ.
﴿بِنَاءً﴾ مَصْدَرُ بَنَى ، سُمِّيَ بِهِ الـمَبْنِيُّ.
﴿أَنْدَادًا﴾ أَيْ نُظَرَاءَ مُعَادُونَ، وَهُوَ جَمْعُ نِدٍّ أَيْ نَظِيرٌ مُعَادٍ.
﴿فِي رَيْبٍ ﴾ أَيْ فِي شَكٍّ.
﴿شُهَدَاءَكُمْ﴾ جَمْعُ شَهِيدٍ وَهُوَ الْحَاضِرُ، وَالْقَائِمُ بِالشَّهَادَةِ ، وَالنَّاصِرُ ، وَالْإِمَامُ.
﴿دُونِ﴾ أَصْلُهُ أَدْنَى مَكَانٍ مِنْ الشَّيْءِ. وَمِنْهُ تَدْوِينُ الْكُتُبِ أَيْ إِدْنَاءُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلتَّرْتِيبِ نَحْوُ: زَيْدٌ دُونَ عَمْرٍ، ثُمَّ اتَّسَعَ فَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ تَجَاوُزِ حَدٍّ إِلَى حَدٍّ آخَرَ.
﴿وَقُودُهَا﴾ الْوَقُودُ مَا تُوقَدُ بِهِ النَّارُ.
﴿أُعِدَّتْ﴾ أَيْ هُيِّئَتْ .
﴿الصَّالِحَاتِ﴾ جَمْعُ صَالِحَةٍ ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَنْدُبُ إِلَيْهِ الشَّرْعُ. وَهِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الْأَسْمَاءِ كَالْحَسَنَةِ.

(تَفْسِيرُ الـمَعَانِي ) – :

هَؤُلَاءِ الْـمُنَافِقُونَ إِذَا قَابَلُوا الْـمُؤْمِنِينَ قَالُوا لَهُمْ إنَّا آمَنَّا كَمَا آمَنْتُمْ. فَإِذَا خَلَوْا إِلَى إِخْوَانِهِمْ فِي الكُفْرِ قَالُوا لَهُمْ هَوِّنُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّنَا لَا نَزَالُ عَلَى مِلَّتِكُمْ ، إِنَّمَا نَحْنُ فِي تَظَاهُرِنَا بِالْإِيمَانِ نَسْتَهْزِئُ بِالـمُؤْمِنِينَ .اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَزِيدُهُمْ طُغْيَانًا لِيَزْدَادُوا حَيْرَةً وَضَلَالًا. أُولَئِكَ الَّذِينَ بَاعُوا الْهُدَى وَاشْتَرَوْا بِهِ الضَّلَالَ، فَمَا كَسَبَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا اهْتَدَوْا.

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُوقِدَ نَارًا لِيَسْتَدْفِئَ بِهَا وَ يَسْتَضِيءَ ، فَمَا اتَّقَدَتْ حَتَّى انْطَفَأَتْ وَتَرَكَتْهُ فِي ظَلَامٍ بِهِيمٍ، لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ وَلَا يُبْصَرُونَ.أَوْ كَانَ مَثَلُهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَتَرَدُّدِهِمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ شَدِيدٌ أَظْلَمَتْ لَهُ الأَرْضُ وَأَرْعَدَتِ السُّحُبُ وَأَبْرَقَتْ ، فَصَارُوا يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ دَهَشًا مِنَ الصَّوَاعِقِ، وَهَرَبًا مِنَ الْـمَوْتِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، وَاللهُ مُحِيطٌ بِهِمْ لَا يُفْلِتُهُمْ .

يَكَادُ الْبَرْقُ يَأْخُذُ أَبْصَارَهُمْ، كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا عَلَى نُورِهِ، وَإِذَا عَادَ الظَّلَامُ وَقَفُوا حَيْثُ هُمْ، وَلَوْ أَرَادَ رَبُّكَ لَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَاهُمْ، إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

فِي هَذِهِ الْآيَاتِ تَشْبِيهٌ مُعْجِزٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي الحَيْرَةِ وَالدَّهَشِ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿ يَسْتَحْيِي﴾ مِنَ الْحَيَاءِ، وَهُوَ انْقِبَاضُ النَّفْسِ عَنْ إتيانِ أَمْرٍ مَخَافَةَ الذَّمِّ. وَهُوَ بِهَذَا الـمَعْنَى مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللهِ ، لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الاِنْفِعَالَاتِ. فَالْـمُرَادُ بِهِ الاِمْتِنَاعُ. وَالـمَعْنَى أَنَّ اللهَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا.
﴿مَا﴾ لَفْظَةٌ إِبْهَامِيَةٌ تَزِيدُ النَّكِرَةَإِبْهَامًا وَتَمْنَعُ عَنْهَا التَّقْيِيدَ.
﴿بَعُوضَةً﴾ الْبَعُوضَةُ الْحَشَرَةُ الْـمَعْرُوفَةُ.
﴿الْفَاسِقِينَ﴾ الْفِسْقُ الْـخُـرُوجُ عَنْ الشَّرْعِ.
﴿يَنْقُضُونَ﴾ النَّقْضُ فَسْخُ التَّرْكِيبِ
﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾ الْعَهْدُ الذِّمَّةُ، وَ الْأَمَانَةُ، وَالضَّمَانُ، وَالْوَفَاءُ.
﴿مِيثَاقِهِ﴾ الْـمِيثَاقُ اسْمٌ لِمَا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثَاقَةُ أَيْ الْإِحْكَامُ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْـمَصْدَرِ ، أَيُّ الْوُثُوقُ.
﴿خَلِيفَةً﴾ الْخَلِيفَةُ مَنْ يَخْلُفُ غَيْرَهُ وَيَقُومُ مَقَامُهُ.
﴿وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ يَصُبُّهَا.
﴿نُسَبِّحُ﴾ سَبَّحَ أَيْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ. مَعْنَاهُ أُبَرِّئُ اللهَ مِنَ السُّوءِ.
﴿وَنُقَدِّسُ﴾ مِنْ قَدَّسَ اللهَ نَزَّهَهُ وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ قُدُّوسٌ . وَ مَعْنَى الْقُدُّوسِ الطَّاهِرُ الْـمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا خَالِقَكُمْ الَّذِي أَوْجَدَكُمْ مِنَ الْعَدَمِ وَخَلَقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَصِلُونَ لِمَرْتَبَةِ التَّقْوَى. إِنَّ الَّذِي مَهَّدَ لَكُمْ الْأَرْضَ وَرَفَعَ فَوْقَكُمُ السَّمَاءَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْهَا مَاءًا فَأَنَبْتَ بِهِ مِنْ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ رِزْقًا لَكُمْ، ذَلِكُمْ رَبُّكُمْ ، فَلَا تَجْعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالنَّاسِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِمَا فُطِرْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّمْيِيزِ أَنَّ الْخَالِقَ الْحَقَّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا شَرِيكٌ .وَإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاصْنَعُوا سُورَةً مِنْ سُوَرِهُ وَائْتُوا بِشُهَدَائِكُمْ لِيَشْهَدُوا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا، وَلَنْ تَفْعَلُوهُ، فَاحْذَرُوا النَّارَ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ جَزَاءَ الـمُكَذِّبِينَ .

وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، كُلَّمَا أُعْطُوا مِنْ ثِمَارِهَا وَوَجَدُوهُ كَثِمَارِ الدُّنْيَا شَكْلًا وَلَوْنًا قَالُوا قَدْ رَزَقَنَا اللهُ مِثْلَ هَذَا فِي الدُّنْيَا. وَسَيَكُونُ مَعَ هَؤُلَاءِ زَوْجَاتٌ طَاهِرَاتٌ، فَيَعِيشُونَ فِي هَنَاءٍ خَالِدٍ لَا يَعْتَرِيهِانْقِطَاعٌ. 

لايعتريها انقطاع

قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الزَّوْجَاتِ، وَمَا عَبَّرَ عَنْهُ اللهُ بِالْحُورِ الْعِينِ ، هُنَّ زَوْجَاتُهُمْ اللَّاتِي كُنَّ مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا .

ورد في الأحاديث الصحيحة أن الحور يختلفن عن الزوجات الأصليات في الدنيا و أن الزوجة المسلمة أجمل من الحورية

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿أَنْبِئُونِ﴾ أَيْ أَخْبِرُونِي .
﴿أَبَ﴾ يَأْبَى امْتَنَعَ .
﴿وَ زَوْجُك﴾ الزَّوْجُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ وَالْـمَرْأَةِ ، وَقَدْ يُؤَنَّثُ فَيُقَالُ زَوْجَةٌ .
﴿الْجَنَّةَ﴾ هِيَ الرَّوْضَةُ. وَفِي الاِصْطِلَاحِ الدِّينِيِّ الدَّارُ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلصَّالِحِينِ فِي عَالَمِ الْآخِرَةِ .
﴿رَغَدًا﴾ يُقَالُ عَيْشٌ رَغَدٌوَرَغِدٌ أَيْ وَاسِعٌ طَيِّبٌ .
﴿وَلا تَقْرَبَا﴾ أَيْ وَ لَا تَمَسَّا ، يُقَالُ قَرَبَ الشَّيْءَ يَقْرَبُهُ، قَرُبَ مِنْهُ يَقْرُبُ .
﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ أَيْ فَأَوْقَعَهُمَا، مِنَ الزَّلَّةِ وَهِيَ السَّقْطَةُ . فِعْلُهُ زَلَّ يَزِلُّ زَلَلًا أَيْ: سَقَطَ .
﴿ اهْبِطُوا﴾أَيْ : انْزِلُوا .
﴿مُسْتَقَرٌّ﴾أَيْ : مَكَانٌ تَسْتَقِرُّونَ فِيهِ أَيْ تُقِيمُونَ فِيهِ.
﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ مَا مَزِيدٌلِلتَّأْكِيدِ، وَالْـمَعْنَى فَإِنْ يَأْتِيَنَّكُمْ .

(تَفْسِيرُ الـمَعَانِي ) – :

إِنَّ اللهَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِعِبَادِهِ بِأَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ وَأَحْقِرِهَا. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ حَقٌّ لَا يَقُولُ غَيْرَ الحَقِّ . وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ مَاذَا يُرِيدُ اللهُ مِنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ بِالأَشْيَاءِ الْحَقِيرَةِ ، إِنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إِضْلَالَ مَنْ عَمِيَتْ بَصَائِرُهُمْ عَنْ تَنَوُّرِ أَسْرَارِ الخَالِقِ فِي أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَهِدَايَةَ مَنْ صَفَتْ أَفـْئِدَتُهُمْ فَاسْتَوَتْ لَدَيْهِمْ كُبْرَيَاتُ الْـمَخْلُوقَاتُ وصُغْرَيَاتُهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي يَتَطَلَّبُونَهُ.

عَلَى أَنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ بِهَذِهِ الْأَمْثَالِ هُمْ الْفَاسِقُونَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ الْـمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ. وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِوَصْلِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْإِخْوَانِ فِي الدِّينِ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ.

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَجْسَادًا لَا حَيَاةَ بِهَا فَنَفَثَ فِيكُمْ مِنْ رُوحِه، وَهُوَ مُمِيتُكُمْ بَعْدَ حِينٍ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ؟ 

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ كُلَّ مَا فِي الْأَرْضِ تَنْتَفِعُونَ بِهِ لِمَعَاشِكُمْ ، ثُمَّ وَجَّهَ إِرَادَتَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَجَعَلَهُنَّ سَبْعًا طِبَاقًا ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءِ عَلِيمٌ .

أقترح :ثم جعل بإرادته السماوات سبع سماوات (حتى لا يتوهم القارئ تغير مشيئة الله تعالى)

)تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿إِسْرَائِيلَ﴾ لَقَبُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَلَامُ .
﴿وَلا تَشْتَرُوا﴾ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلَّ الآخَرِ، وَمَعْنَى لَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا أَيْ لَا تَبِيعُوهَا بِثَمَنٍ قَلِيلٍ.
﴿وَلا تَلْبِسُوا﴾ أَيْ لَا تَخْلِطُوا ، يُقَالُلَبِسَ الْأَمْرَ يَلْبِسُهُ، أَمَّا لِلْثَوْبِ فَلَبَسَهُ يَلْبَسُهُ.
﴿الزَّكَاةَ﴾ مُشْتَقَّةٌ مِنْزَكَا الزَّرْعُ يَزْكُو أَيْ نَمَا، لِأَنَّ إِخْرَاجَهَا يَجْلِبُ البَرَكَةَ. وَهِيَ مِنَ الزَّكَاةِ أَيْ الطَّهَارَةُ، لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ الـمَال.
﴿بِالْبِرِّ﴾ أَيْ الطَّاعَةُ، وَالصِّدْقُ، وَالتَّوَسُّعُ فِي الخَيْرِ.
﴿يَظُنُّونَ﴾ أَيْ يَعْتَقِدُونَ. وَقَدْ تَأْتِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى الرُّجْحَانِ، تَقُولُ ظَنَنْتُكَ مُسَافِرًا.
﴿وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ الْعَدْلُ هُنَا بِمَعْنَى الْفِدَاءِ .
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ فِي بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ كَانُوا قَالُوا لِأَقْرِبَاءَ لَهُمْ أَسْلَمُوا : اثْبُتُوا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ حَقٌّ. وَبَقَوْا هُمْ عَلَى دِينِهِمْ .
﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ يُقَالُ سَامَهُ عَذَابًا أَيْ وَلَّاهُ إِيَّاهُ.
﴿بَلاءٌ﴾ الْبَلَاءُ الْغمُّ يُبْلِي الْجِسْمَ ، وَالاِخْتِبَارُ بِالْخَيْرِ أَوْ بِالشَّرِّ.
﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ أَيْ يَتْرُكُونَهُنَّ أَحْيَاءً.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنِّي مُتَّخِذٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً لِيَقُومَ بِعِمَارَتِهَا وَيُتَمِّمَ الإِبْدَاعَ الَّذِي قَضَيْتُهُ لَهَا، وَهُوَ الْإِنْسَانُ، فَأَدْرَكَ الـمَلَائِكَةُ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ – لِتَقَمُّصِهِ الـمَادَّةَ – يُحْمَلُ عَلَى الفَسَادِ بِدَوَاعِي طَبِيعَتَهِ الْأَرْضِيَّةِ . فَسَأَلُوا اللهَ – مِنْ قَبِيلِ التَّعَلُّمِ لَا الاِعْتِرَاضِ – عَنْ حِكْمَةِ تَفْضِيلِ اللهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ فِي إِسْنَادِ خِلَافَتِهِ إِلَيْهِ، وَهُمْ دَائِبُونَ فِي طَاعَتِهِ، مُتَفَانُونَ فِي عِبَادَتِهِ.

فَأَوْحَى اللهُ إِلَى قَلْبِ آدَمَ كُلَّ مَا هُوَ مُسْتَعِدٌّ لَهُ النَّوْعُ الْإِنْسَانِيُّ مِنْ الرُّقِيِّ الصُّورِيِّ وَالْـمَعْنَوِيِّ، وَأَلْـهَمَهُ الْأَشْيَاءَ بِأَسْمَائِهَا وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَسْرُدَهَا عَلَى الْـمَلَائِكَةِ إِظْهَارًا لِاسْتِعْدَادِ نَوْعِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا.

فَلَمَّا فَعَلَ، عَلِمَ الْـمَلَائِكَةُ أَنَّهُمْ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِخِلَافَةِ اللهِ فِي الْأَرْضِ لِعَدَمِ اِسْتِعْدَادِهِمْ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأُمُورِ الْـمَادِّيَّةِ، فَفَهِمُوا حِكْمَةَ التَّفْضِيلِ .

وَأَطَاعُوا أَمْرَ اللهِ فِي السُّجُودِ لَهُ سُجُودَ إِجْلَالٍ لَا عِبَادَةٍ ، إِلَّا إِبْلِيسَ فَإِنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ.

وَرُبَّمَا يَكْبُرُ عَلَى التَّالِي لِلقُرْآنِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْـمَلَائِكَةَ يُجَادِلُونَ اللهَ. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْـمَلَائِكَةِ عِنْدَمَا عَلِمُوا فِي عَالَمِهِمُ الرُّوحَانِيِّ بِأَنَّ كَائِنًا سَيَظْهَرُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَكُونُ مِنْ الْفَسَادِ، فَجَاشَتْ فِي صُدُورِهِمْ هَذِهِ الاِعْتِرَاضَاتُ، وَأَلْهَمَهُمْ اللهُ الرَّدَّ عَلَيْهَا عَلَى نَحْوِ مَا تَرَاهُ. هَذَا تَأْوِيلٌ وَاجِبٌ، لِأَنَّ اللهَ لَا يُرَى وَلَا الـمَلَأُ الأَعْلَى بِنَصِّالقُرْآنِ .

بنص القرآن

التساؤات و ليست الإعتراضات لأنه و كما سبق المؤلف و ذكر أنه كان استفهاما و ليس اعتراضا

)تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿فَرَقْنَا﴾ أَيْ فَلَقْنَا . فِعْلُهُ فَرَقَ يَفْرُقُ وَيَفْرِقُ بِمَعْنَى فَصَلَ.
﴿وَاعَدْنَا﴾ أَيْ وَعَدْنَا
﴿وَالْفُرْقَانَ﴾ قِيلَ الْـمُرَادُ بِهِ التَّوْرَاةُ، وَقِيلَ مُعْجِزَاتُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْـمُحِقِّ وَ الْـمُبْطِلِ .
﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ قِيلَ اقْتُلُوهَا بِالتَّوْبَةِ، أَوْ بِقَطْعِ الشَّهَوَاتِ. وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ فَلْيَقْتُلِ الْبَرِيءُ مِنْكُمُ الْـمُجْرِمَ .
﴿بَارِئِكُمْ﴾ أَيْ خَالِقِكُمْ، فِعْلُهُ بَرَأَهُ يَبْرَأُهُ أَيْ خَلَقَهُ .
﴿جَهْرَةً﴾ أَيْمُشَاهَدَةً أي مشاهدة ، مِنْ قَوْلِكَ جَهَرَ الْأَمْرُ أَيْ عَلُنَ .
﴿بَعَثْنَاكُمْ﴾ أَيْ أَحْيَيْنَاكُمْ بَعْدَ الْـمَوْتِ
.﴿الْمَنَّ﴾ إِفْرَازٌ حُلْوُ الْـمَذَاقِ تُفْرِزُهُ بَعْضُ الْأَشْجَارِ .
﴿وَالسَّلْوَى﴾ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ بِالسَّمَانِي .
﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾الْحِطَّةُ وَالْحُطَيْطَى ، مِنْ قَوْلِكَ اسْتَحَطَّهُ وِزْرُهُ . يُقَالُ سَأَلَهُ الْـحُطَيْطَى أَيْ سَأَلَهُ الْـحَطَّ مِنْ وِزْرِهِ وَمَعْنَى
﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾أَيْ اسْأَلُوا اللهَ الْـمَغْفَرَةَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْ ثَمَرَاتِهَا كَمَا تُرِيدَانِ فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنْهَا شِئْتُمَا، وَلَكِنْ إِيَّاكُمَا أَنْ تَأْكُلَا مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَعَيَّنَهَا لَهُمَا.

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ وَسَوَّلَ لَهُمَا الْأَكْلَ مِنْهَا، فَكَانَ مِنْ أَثَرِ هَذَا الْعِصْيَانِ أَنْ أَنْزَلَهُمَا اللهُ إِلَى الْأَرْضِ حَيْثُ التَّكَالِيفُ الْـمَادِّيَّةُ ، وَالْحَاجَاتُ الْجَسَدِيَّةُ ، وَحَيْثُ الْـمُنَازَعَاتُ وَ الـمُخَاصَمَاتُ وَكُلُّ مَا تَقْتَضِيهِ الْحَيَاةُ الطِّينِيَّةُ مِنْ الْـمُنَغِّصَاتِ وَالْكُرُوبِ .

ثُمَّ رَحِمَ اللهُ آدَمَ وَأَلْهَمَهُ كَلِمَاتٍ يَدْعُوهُ بِهَا، فَتَابَ عَلَيْهِ وَقَرَّرَ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ هُدَاةٍ يَهْدُونَ الضَّالِّينَ، وَيُنَبِّهُونَ الْغَافِلِينَ. فَمَنْ آمَنَ بِهِمْ وَعَمِلَ بِنَصَائِحِهُمْ نَجَا، وَمَنْ كَذَّبَهُمْ وَكَفَرَ بِآيَاتِ اللهِ هَلَكَ وَتَرَدَّى .

ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا حَبَاهُمْ بِهِ مِنَ النِّعَمِ الجَزِيلَةِ أَيَّامَ كَانُوا قَائِمِينَ بِأَعْبَاءِ خِلَافَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَأَمَرَ الْبَاقِينَ مِنْهُمْ أَنْ يَفُوا بِعَهْدِهِ لِيَفِيَ بِعَهْدِهِمْ، وَأمَرَهُمْ أَنْ يَخَافُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْلِتُ الظَّالِمِينَ مِنْ عِقَابِهِ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿رِجْزًا﴾ الرِّجْزُ وَ الرَّجَزُ هُوَ الرِّجْسُ أَيْ القَذَرُ ، وَ عِبَادَةُ الصَّنَمِ، وَ الْعَذَابُ
﴿اسْتَسْقَى﴾ طَلَبَ السُّقْيَا بِنُزُولِ الْـمَطَرِ بِوَاسِطَةِ الدُّعَاءِ .
﴿تَعْثَوْا﴾ يُقَالُ عَثَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا يَعْثَى، أَفْسَدَ فِيهَا.
﴿بَقْلِهَا﴾ الْبَقْلُ مَا يَنْبُتُ فِي بَذْرِهِ لَا فِي جِذْرٍ ثَابِتٍ وَاحِدَتُهُ بَقْلَةٌ .
﴿وَقِثَّائِهَا﴾ بِالْكَسْرِ وَيُضَمُّ: نَوْعٌ مِنَ الفَاكِهَةِ يُشْبِهُ الخِيَارَ.
﴿وَفُومِهَا﴾ الْفُومُ الثُّومُ، وَاحِدَتُهُ فُومَةٌ ، وَ الْفُومُ أَيْضًا الْحِنْطَةُ وَ الحِمِّصُ والْخُبْزُ وَ سَائِرُ الْحُبُوبِ الَّتِي تُخْبَزُ.
﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ أَيْ انْزِلُوا مِصْرًا . والْـمِصْرُ الْبَلَدُالْعَظِيمُ .
﴿وَبَاءُوا﴾أَيْ رَجَعُوا
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا… إلخ ﴾ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ مُعْتَقَدًا بِاللّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَمِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَمُوقِنًا بِالآخِرَةِ، وَعَامَلَا بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الصَّالِحَاتِ ، فَهُوَ مِنَ النَّاجِينَ.
﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ الْيَهُودُ ، يُقَالُ هَادَ الرَّجُلُ يَهُودُ وَ تَهَوَّدَ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ .
﴿وَالصَّابِئِينَ﴾هُمْ بَيْنَ النَّصَارَى وَ الْـمَجُوسِ، وَقِيلَ هُمْ عُبَّادُ الْـمَلَائِكَةِ. وَقِيلَ عَبَدَةُ الْكَوَاكِبِ .
﴿مِيثَاقَكُمْ﴾الْـمِيثَاقُ وَالْـمَوْثِقُ الْعَهْدُ، جَمْعُ مِيثَاقٍ مَوَاثِيقُ وَ مَيَاثِيقُ ، وَ جَمْعُ مَوْثِقٍ مَوَاثِقُ وَ مَيَاثِقُ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَآمِنُوا [ الْكَلَامُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ] بِمَا أَوْحَيْتُ مِنَ القُرْآنِ الَّذِي يُصَدِّقُ كِتَابَكُمْ وَيُوَافِقُهُ، وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ الْكَافِرِينَ بِهِ مَعَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِتَصْدِيقِهِ لِأَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ مِنْ أَحْوَالِ الرُّسُلِ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْـرُكُمْ .

وَلَا تَخْلِطُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ حَقٌّ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ.

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّوَبِالإِحْسَانِ وَلَا تَأْتَمِرُونَ بِمَا تَقُولُونَ وَأَنْتُمْ تَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَهِيَ ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ فِي بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ كَانُوا قَالُوا لِأَقْرِبَاءَ لَهُمْ أَسْلَمُوا : اثْبُتُوا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ حَقٌّ. وَبَقَوْا هُمْ عَلَى دِينِهِمْ .

وَلِهَذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَعِينُوا عَلَى أَنْفُسِهُمْ الْعَاتِيَةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ وَبِالصَّلَاةِ، وَلَكِنْ أَيْنَ هُمْ مِنْهَا وَهِيَ لَا يَقُومُ بِهَا إِلَّا الْخَاشِعُونَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُمْ سَيَعُودُونَ إِلَى بَارِئِهِمْ فَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ .

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَتَفْضِيلِي إِيَّاكُمْ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَاحْذَرُوا يَوْمًا لَا تُغْنِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَفَاعَةٌ وَلَا تُؤْخَذُ فِيهِ فِدْيَةٌ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿الطُّورَ﴾ اسْمُ جَبَلٍ مَخْصُوصٍ . وَ قِيلَ هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ جَبَلٍ.
﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ أَدْبَرْتُمْ
﴿خَاسِئِين﴾ أَيْ مُبْعَدِينَ مَزْجُورِينَ .
﴿نَكَالًا﴾ النَّكَالُ مَا نَكَّلْتَ بِهِ غَيْرَكَ وَ جَعَلْتَهُ عِبْرَةً وَ نَكَّلَ بِفُلَانٍ يُنَكِّلُ، وَ نَكَّلَ بِهِ صَنَعَ بِهِ صَنِيعًا يُحَذِّرُ غَيْرَهُ إِذَا رَآهُ .
﴿لِمَا بَيْنَيَدَيْهَا بين يديها وَمَا خَلْفَهَا﴾ أَيْ جَعَلَ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ عِبْرَةً لِلْأُمَمِ الَّتِي فِي عَصْرِهِمْ وَلِمْنَ يَأْتِي بَعْدَهُمْ.
﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ﴾ أَلْجَأُ إِلَيْهِ.
﴿لَا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ﴾ أَيْ لَا مُسِنَّةٌ وَ لَا فَتِيَّةٌ .
﴿عَوَانٌ﴾ أَيْ وَسَطٌ فِي السِّنِّ .
﴿فَاِقعٌ﴾ خَالِصُ الصُّفْرَةِ.
﴿لَا ذَلُولٌ﴾ الدَّابَّةُ الذَّلُولُ هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ بِصَعْبَةٍ .
﴿تُثِيرُ الأَرْضَ﴾ يُقَالُ أَثَارَ الغُبَارَ أَيْ نَشَرَهُ وَهَيَّجَهُ .
﴿وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾لَا هُنَا زَائِدَةٌ ، وَ الحَرْثُ كُلُّ نَبْتٍ يُسْتَنْبَتُ بِالبَذْرِ وَ النَّوَى وَ الْغَرْسِ .
﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ أَيْ سَلِيمَةٌ مِنَ العُيُوبِ .
﴿لَاشِيَةَ فِيهَا﴾الشِّيَةُ هِيَ لَوْنٌ يُخَالِفُ لَوْنَ جِلْدِهَا.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَاذْكُرُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يُولُونَكُمْ العَذَابَ الأَلِيمَ ، يَذْبَحُونَ أَوْلَادَكُمْ وَيَسْتَبْقُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكَ بَلَاءٌ لَكُمْ كَبِيرٌ . وَاذْكُرُوا إِذْ فَلَقْنَا لَكُمْ الْبَحْرَ حَتَّى ظَهَرَتْ لَكُمْ الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ فَمَشَيْتُمْ عَلَيْهَا فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ الَّذِينَ تَتَبَّعُوكُمْ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ ذَلِكَ بِأَعْيُنِكُمْ.

وَإِذْ وَعَدْنَا مُوسَى أَنْ نُعْطِيَهُ التَّوْرَاةَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَمَعَ هَذَا عَبَدْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ لِأَنْفُسِكُمْ. ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .

وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْزَلْنَا عَلَى مُوسَى الكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ السُّلْطَانَ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.

وَاذْكُرُوا أَيْضًا إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ وَقَدْ رَآهُمْ يَعْبُدُونَ العِجْلَ: يَا قَوْمِي لَقَدْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِعِبَادَةِ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، فَتُوبُوا إِلَى خَالِقِكُمْ وَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ، أَوْ اقْتُلُوا الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ مِنْكُمْ، ذَلِكُمْ أَفْضَلُ لَكُمْ عِنْدَ مَوْلَاكُمْ، فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

وَ اذْكُرُوا إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهَارًا فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ مِنْ السَّمَاءِ وَأَنْتُمْ تُشَاهِدُونَ ذَلِكَ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ أَيْ تَدَافَعْتُمْ وَ تَنَازَعْتُمْ .
﴿اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ أَيْ اضْرِبُوا الْقَتِيلَ بِبَعْضِ أَعْضَائِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا.
﴿يَتَفَجَّرُ﴾ أَيْ يَسِيلُ .
﴿ يَشَّقَّقُ﴾ أَيْ يَتَشَقَّقُ .
﴿ فَرِيقٌ﴾ أَيْ جَمَاعَةٌ .
﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾ أَيْ يَجْعَلُونَهُ مُحْتَمِلًا لِوَجْهَيْنِ .
﴿لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ﴾ أَيْ لِيُخَاصِمُوكُمْ بِهِ ، يُقَالُ حَاجَّهُ مُحَاجَّةً وَ حِجَاجًا فَحَجَّهُ أَيْ خَاصَمَهُ فَخَصَمَهُ
﴿يُسِرُّونَ﴾ يَكْتُمُونَ.
﴿أُمِّيُّونَ﴾ جَمْعُ أُمِّيٍّوَ أميّ و هُوَ مَنْسُوبٌ لِلْأُمِّ ، أَيْ عَلَى مَا وَلَدْتُهُ أُمَّهُ مِنْ السَّذَاجَةِ .
﴿أَمَانِيَّ﴾ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ وَهِيَ الْبُغْيَةُ ، وَالْكَذِبُ ، وَمَا يُقْرَأُ. وَالْـمَعْنَى هُنَا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ كِتَابِهِمْ إِلَّا أَكَاذِيبَ أَخَذُوهَا تَقْلِيدًا مِنْ الْـمُحَرِّفِينَ والْـمُؤَوِّلِينَ
﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ اشْتَرَى بِمَعْنَى بَاعَ ، أَيْ لِيَبِيعُوهَا بِثَمَنٍ قَلِيلٍ.
﴿فَوَيْلٌ﴾ الْوَيْلُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ لَا فِعْلَ لَهُ ، مَعْنَاهُ تَحَسَّرَ وَهَلَكَ، وَقِيلَ هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ .

(تَفْسِيرُ الـمَعَانِي ) – :

قِيلَ إِنَّهُمْ لَمَّا طَلَبُوا أَنْ يَرَوْا اللهَ جَهْرَةً وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ صَاعِقَةٌ فَأَحْرَقَتْهُمْ. ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.

وَيُذَكِّرُهُمْ اللهُ بِمَا تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْـمَنِّ وَالسّمَانِيِّ لِيَقِيَهُمْ الْهَلَاكَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ الْـمُجْدِبَةِ فَكَفَرُوا بِكُلِّ هَذِهِ النِّعَمِ فَقُطِعَتْ عَنْهُمْ جَمِيعُهَا.

وَيُذَكِّرُهُمْبِمَا  و يذكرهم بما فَعَلَهُ آبَاؤُهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ بَيْت الْـمَقْدِسِ أَوْ مَدِينَةِ أَرِيحَا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ التِّيهِ وَهُمْ سَاجِدُونَ يَسْأَلُونَ اللهَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَيَغْفِرَ لَهُمْ عِنَادَهُمْ وَاعَدًا إِيَّاهُمْ بِالْـمُكَافَأَةِ وَحُسْنِ الْجَزَاءِ.فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ الاِسْتِغْفَارَ وَطَلَبَ العَفْوِ بِالاِنْهِمَاكِ فِي الشَّهَوَاتِ، فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ أَنْ أَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ ، قِيلَ هُوَ الطَّاعُونُ، فَأَهْلَكَ مِنْهُمْ عَدَدًا عَظِيمًا .

وَيُذَكِّرُهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ آبَائِهِمْ لَمَّا عَطِشُوا فِي التِّيْهِ وَبِمَا تَفَضَّلَ اللهُ عَلَيْهِمْ بِهِ مِنْ تَكْلِيفِ مُوسَى بِأَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ حَجَرًا، فَتَفَجَّرَتْ مِنْهُ عُيُونٌ بِقَدْرِ عَدَدِ قَبَائِلِهِمْ، وَكَانُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَبِيلَةً، فَجَرَى لِكُلٍّ مِنْهَا جَدْوَلٌ خَاصٌّ يَأْخُذُونَ مِنْهُ حَاجَاتِهِمْ وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿ بَلَى﴾ جَوَابٌ لِلتَّحْقِيقِ يُوجِبُ مَا يُقَالُ ، فَإِذَا قِيلَ أَلَيْسَ عِنْدَكَ كِتَابٌ ؟ فَقَالَ : بَلَى ، لَزِمَهُ الْكِتَابُ ، وَ إِنْ قَالَ : نَعَمْ ، فَلَا يَلْزَمُهُ .
﴿سَيِّئَةً﴾ أَيْ فِعْلَةً سَيِّئَةً .
﴿وَذِي الْقُرْبَى﴾ الْقُرْبَى هِيَ الْقَرَابَةُ.
﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ جَمْعُ مِسْكِينٍ، وَ هُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَ هُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْفَقِيرِ .
﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ أَيْ أَدْبَرْتُمْ .
﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ عَهْدَكُمْ .
﴿لَا تَسْفِكُونَ﴾ لَا تُرِيقُونَ .
﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ يُقَالُ ظَاهَرَ أَخَاهُ عَاوَنَهُ.
﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ هُوَ الْإِخْلَالُ بِالْعَدَالَةِ فِي الْـمُعَامَلَةِ
﴿أُسَارَى﴾ جَمْعُ أَسِيرٍ وَ هُوَ الْأَخِيذُ وَ يُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَسِيرٍ وَ أُسَارَى وَ أُسَرَاءَ .
﴿تُفَادُوهُمْ﴾ أَيْ تُطْلِقُونَهُمْ بَعْدَ أَخْذِ فِدْيَتِهِمْ، مِنْ فَادَاهُ مُفَادَاةً.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَاذْكُرُوا إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى إِنَّنَا سَئِمْنَا الاِسْتِمْرَارَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَرْزُقْنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ . فَقَالَ لَهُمْ أَتَسْتَعِيضُونَ الْأَرْدَأَ بِالأَحْسَنِ مِنْ الطَّعَامِ؟ انْزِلُوا مِصْرًا فَفِيهَا مَا تَطْلُبُونَ.

وَجَازَاهُمْ عَلَى عَدَمِ ثَبَاتِـهِمْ بِأَنْ أَبْدَلَهُمْ بِالْعِزِّ ذُلًّا، وَبِالْقُوَّةِ مَسْكَنَةً ، وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ لِكُفْرِهِمْ وَتَطَاوُلِـهِمْ عَلَى رُسُلِ اللهِ بِالْقَتْلِ، كَمَا فَعَلُوا بِزَكَرِيَّا وَيَحْيَى.

وَمَا جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا عِصْيَانُهُمْ لِأَوَامِرِ اللهِ وَاعْتِدَاؤُهُمْ عَلَى النَّاسِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا… إلخ ﴾ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ مُعْتَقَدًا بِاللّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَمِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَمُوقِنًا بِالآخِرَةِ، وَعَامَلَا بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الصَّالِحَاتِ ، فَهُوَ مِنَ النَّاجِينَ.

من آمن منهم بمحمد و بما نزل على محمد بعد أن كان على على أحد هذه الأديان لأن من آمن بحمد و ضل على اعتقاده الخاطئ فلا يكون من الناجين. مثال اليهود يعتقدون أن عزير ابن الله و الصابئة يعتقدون بتناسخ الأرواح

(تَفْسِيرُالأَلْفَاظِ) – :
﴿خِزْيٌ ﴾ الْخِزْيُ الهَــوَانُ ، وَالعِقَابُ وَ البُعْدُ ، وَ الذُّلُ ، وَ الِاسْتِحْيَاءُ ، فَهُوَ خَزْيَانٌ وَ هِيَ خَزْيَا جَمْعُهُ خَزَايَا .
﴿وَقَفَّيْنَا﴾ أَيْ أَتْبَعْنَا ، يُقَالُ قَفَّى فُلَانًا زَيْدًا ، وَ قَفَّى فُلَانًا بِزَيْدٍ أَيْ أَتْبَعَهُ بِهِ . ثُلَاثِيُّهُ قَفَّاهُ يَقْفُوهُ أَيْ تَبِعَهُ
﴿البَيِّنَاتِ﴾ أَيْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَيْ الْوَاضِحَاتِ أَوْ الشَّاهِدَاتِ .
﴿بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ أَيْ الرُّوحُ الْـمُقَدَّسَةُ، الْـمُرَادُ بِهِ هُنَا جِبْرِيلُ أَوْ رُوحُ عِيسَى عَلَيْهِالسَّلَامُ عليه السلام أَوْ الْإِنْجِيلُ أَوْ اسمُ اللهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَدْعُو اللهَ بِهِ فَيَسْتَجِيبُ لَهُ.
﴿تَهْوَى﴾ تُحِبُّ. هَوَى يَهْوَى هَوًى : أَحَبَّ . أَمَّا هَوِيَ يَهْوِي هَوِيًّا فَمَعْنَاهُ سَقَطَ .
﴿غُلْفٌ﴾ عَلَيْهَا غِلَافٌ ، جَمْعُها أَغْلُفٌ .
﴿لَعَنَهُمْ﴾ أَيْ طَرَدَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَ الرَّحْمَةِ، مِنْ لَعَنَهُ يَلْعَنُهُ لَعْنًا .
﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ يَطْلُبُونَ الْفَتْحَ، وَالْفَتْحُ هُوَ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ. والْفَتَاحَةُ النُّصْرَةُ .
﴿بِئْسَمَا﴾ أَيْ بِئْسَ شَيْءٌ . وَ بِئْسَ لِلذَّمِّ ضِدَّ نِعْمَ .
﴿اشْتَرَوْا﴾ اشْتَرَوْا هُنَا بِمَعْنَى بَاعُوا . وَ كُلُّ مَنْتَرَكَ شَيْئًا وَأَخَذَ غَيْرَهُ فَقَدْ اشْتَرَاهُ .
﴿بَغْيًا﴾ أَيْ حَسَدًا .
﴿ فَبَاءُوا﴾ فَرَجَعُوا ، مِنْ بَاءَ يَبُوءُ بَوْءًا أَيْ رَجَعَ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَاذْكُرُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ أَخَذَ اللهُ عَلَيْكُمْ العَهْدَ أَنْ تَفْعَلُوا بِمَا تَأْمُرُ بِهِ التَّوْرَاةُ، وَهَدَّدْنَاكُمْ بِرَفْعِ الجَبَلِ فَوْقَ رُؤُوسِكُمْ،فَأَدْبَرْتُمْ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ. وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ لَكُنْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ.

وَقَدْ أَمَرْنَاكُمْ أَنْ تَتَفَرَّغُوا يَوْمَ السَّبْتِ لِلعِبَادَةِ، فَاحْتَلْتُمْ عَلَى الصَّيْدِ فِيهِ فَمَسَخْنَاكُمْ قِرَدَةً مَنْبُوذِينَ.

وَجَعَلْنَا تِلْكَ العُقُوبَةَ عِبْرَةً لِلْمُعَاصِرِينَ لَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ وَالَّتِي تَخْلُفُهَا إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ .

وَاذْكُرُوا إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، فَقُلْتُمْ أَتَسْتَهْزِئُ بِنَا .وَأَخَذْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنْ لَوْنِهَا وَشَكْلِهَا وَسِنِّهَا، وَكُلَّمَا شَدَّدْتُمْ شَدَّدَ اللهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى صَارَتْ نَادِرَةً فَتَعِبْتُمْ فِي وِجْدَانِهَا .

في إيجادها لأن الوجدان هو القلب

كَانَ السَّبَبُ فِي أَمْرِهِمْ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَتَلَ رَجُلًا وَبَادَرَ بِالشَّكْوَى لِمُوسَى، فَبَحَثَ مُوسَى عَنِ الْقَاتِلِ فَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ اللهُ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً وَأَنْ يَضْرِبُوا الْقَتِيلَ بِعُضْوٍ مِنْهَا، فَلَمَّا فَعَلُوا أَحْيَاهُ اللهُ وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قَاتِلِهِ، فَإِذَا بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي بَادَرَ بِالشَّكْوَى .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ أَيْ جَعَلْتُمُوهُ إِلَـهـًا .
﴿الطُّورَ﴾ جَبَلٌ بِسِينَاءَ ، وَ الطُّورُ أَيْضًا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ.
﴿مِيثَاقَكُمْ﴾عَهْدَكُمْ .
﴿وَعَصَيْنَا﴾ مِنَ الْعِصْيَانِ ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَيُقَالُ عَصَاهُ يَعْصِيهِ .
﴿وَأُشْرِبُوا﴾ أَيْ خَالَطَ حُبُّهُ قُلُوبَهُمْ فَيُقَالُ: أُشْرِبَ فُلَانٌ حُبَّ فُلَانٍ.
﴿بِئْسَمَا﴾ لِلذَّمِّ أَيْ بِئْسَ شَيْءٌ.
﴿خَالِصَةً﴾ أَيْ خَاصَّةً بِكُمْ ، فِعْلُهُ خَلَصَ الشَّيْءُ يَخْلُصُ خُلُوصًا وَ خَلَاصًا .
﴿أَحْرَصَ النَّاسِ﴾ مِنْ الْحِرْصِ وَهُوَ الطَّلَبُ بَشَرهٍ، فِعْلُهُ حَرِصَ يَحْرِصُ.
﴿ يُعَمَّرَ﴾ أَيْ يَعِيشُ طَوِيلًا، وَعَمَّرَ اللهُ فُلَانًا أَبْقَاهُ، وَعَمَّرَ الْـمَنْزِلَ جَعَلَهُ آهِلًا
﴿لِجِبْرِيلَ ﴾ جِبْرِيلُ مَلَكٌ يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ .
﴿مِيكَالَ﴾ هُوَ مِيكَائِيلُ ، مِنْ كِبَارِ الْـمَلَائِكَةِ أَيْضًا .
﴿ بُشْرَى﴾ الْبُشْرَى وَ الْبَشَارَةُ الْخَـــبَرُ السَّارُّ .
﴿بَيِّنَاتٍ﴾ وَاضِحَاتٍ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلْحِجَاجِ، فَقَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا حَالَ تِلْكَ الْبَقَرَةِ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ، أَيْ إِنَّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا وَ إِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ إِلَى مُرَادِ اللهِ.

فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ جَزَاءَ تَشْدِيدِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا بَقَرَةٌ غَيْرُ مُذَلَّلَةٍ تُهِيجُ الغُبَارَ إِذَا تَحَرَّكَتْ ، وَ تَسْقِي الزَّرْعَ ، سَلِيمَةٌ مِنْ العُيُوبِ، فِي جِلْدِهَا قِطْعَةٌ لَوْنُهَا يُخَالِفُ لَوْنَهُ . قَالُوا الآنَ جِئْتَنَا بِالحَقِّ، فَحَصَلُوا عَلَى بَقَرَةٍ تَتَوَافَرُ فِيهَا هَذِهِ الصِّفَاتُ بِضِعْفِ ثَمَنِ مِثْلِهَا، وَذَبَحُوهَا بَعْدَ أَنْ قَارَبُوا أَنْ لَا يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ.وَاذْكُرُوا إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا وَتَنَازَعْتُمْ فِيهَا. فَقُلْنَا أضْرِبُوا جُثَّةَ الْقَتِيلِ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ ، فَأَحْيَاهُ اللهُ وَأَخْبَرَكُمْ عَنْ قَاتِلِهِ ، وَهَذِهِ آيَةٌ مِنْ اللهِ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ بَعْدَ هَذَا حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا الْحِجَارَةُ أَوْ أَشَدُّ، فَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ مَا يَسِيلُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ، وَمِنْهَا مَا يَتَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْـمَاءُ ، وَمِنْهَا مَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .

فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عِبْرَةٌ لِلْمُتَشَدِّدِينَ، فَإِنَّ اللهَ أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً، فَلَوْ بَادَرُوا إِلَى ذَبْحِ أَيَّةِ بَقَرَةٍ لَأَجْزَأَتْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ تَشَدَّدُوا فِي تَعَرُّفِ صِفَاتِهَا فَكَانُوا كُلَّمَا سَأَلُوا سُؤَالًا زِيدُوا تَشْدِيدًا حَتَّى صَارَتِ الْبَقَرَةُ نَادِرَةً.

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿الْفَاسِقُونَ﴾ الخَارِجُونَ ، فِعْلُهُ فَسَقَ يَفْسُقُ فِسْقًا يَفْسُقُ فِسْقًا وَ فُسُوقًا .
﴿نَبَذَهُ﴾ رَمَاهُ .
﴿تَتْلُو﴾ أَيْ تَقْرَأُ أَوْ تَتَّبِعُ ، يُقَالُ تَلَاهُ يَتْلُوهُ تِلَاوَةً أَيْقَرَأَهُ أَي قَرَأَهُ. وَتَلَاهُ يَتْلُوهُ تَلْوًا أَيْ تَبِعَهُ.
﴿بِبَابِلَ﴾ “بَابِلْ” مَمْلَكَةٌ قَدِيمَةٌ كَانَتْ بِالعِرَاقِ .
﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ اسْمَا مَلَكَيْنِ هَبَطَا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ ابْتِلَاءً مِنْ اللهِ لِلنَّاسِ وَتَمْيِيزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْـمُعْجِزَةِ . وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ الْعَقْلِ. وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا قِيلَ مَنْ أَنَّهُ عَنَى بِالـمَلَكَيْنِ رَجُلَيْنِ صَالِحِينَ سَمَّاهُمَا مَلَكَيْنِ لِصَلَاحِهِمَا.
﴿فِتْنَةٌ﴾ أَيْ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ. وَالفِتْنَةُ أَيْضًا الضَّلَالُ، وَالإِثْمُ، وَالكُفْرُ، وَالفَضِيحَةُ، وَالعَذَابُ، وَالجُنُونُ، وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِي الآرَاءِ وَمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنَ الاِضْطِرَابِ، فِعْلُهُ فَتَنَ يَفْتِنُ فِتْنَةً، وَ فَتَنَهُ الشَّيْءُ أَعْجَبَهُ، وَ أَفْتَنَ فُلَانًا : أَوْقَعَهُ فِي الفِتْنَةِ، وَ فُتِنَ فِي دِينِهِ وَ افْتَتَنَ : مَالَ عَنْهُ .
﴿بِضَارِّينَ﴾ بِمُضِرِّينَ يُقَالُ ضَارَّهُ مُضَارَّةً وَ ضِرَارًا : أَضَرَّهُ وَ آذَاهُ .
﴿خَلَاقٍ﴾ أَيْ نَصِيبٍ .
﴿شَرَوْا﴾ هُنَا بِمَعْنَى بَاعُوا ، فَإِنَّ فِعْلَيْ شَرَى وَ بَاعَ يُؤَدِّي أَحَدُهُمَا مَعْنَى الْآخَرِ .
﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ أَيْ لَثَوَابٌ ، وَ الثَّوَابُ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ جَزَاءِ عَمَلِهِ .
﴿رَاعِنَا﴾ رَاقِبْنَا .

(تَفْسِيرُ الـمَعَانِي ) – :

أَتَرْجُونَ أَنْ يُؤْمِنَ لَكُمْ هَؤُلَاءِ وَقَدْ كَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ بَيِّنًا وَجَلِيًّا فَيَصْرِفُونَهُ عَنْ مَعْنَاهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ خُطُورَةَ مَا يَعْمَلُونَ.

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ صَارُوا مِنْهُمْ، وَإِذَا اخْتَلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ قَالُوا لَهُمْ احْذَرُوا أَنْ تُخْبِرُوا الْـمُسْلِمِينَ بِمَا فِي كُتُبِكُمْ فَيَعْرِفُوهُ وَيُجَادِلُوكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي كِتَابِهِ.

أَوَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أُولَئِكَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَكْتُمُونَ فِي أَنْفُسِهُمْ وَمَا يُجَاهِرُونَ بِهِ مِنْ دَسَائِسِهِمْ ؟

وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ جَاهِلُونَ لَا يَعْرِفُونَ الْقِرَاءَةَ لِيَطَلِّعُوا عَلَى مَا فِي التَّوْرَاةِ بِذَوَاتِهِمْ، فَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مِنْهَا إِلَّا أَكَاذِيبَ أَخَذُوهَا تَقْلِيدًا مِنْ الْـمُحَرِّفِينَ وَ الْـمُؤَوِّلينَ الَّذِينَ لَهُمُ الْوَيْلُ بِمَا بَدَّلُوا كَلِمَاتِ اللهِ وَبَاعُوهَا بِثَمَنٍ قَلِيلٍ.

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، فَاسْأَلْهُمْ قَائِلًا: أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا بِذَلِكَ وَاللهُ لَا يُخْلِفُ عَهْدَهُ، أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ.

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿مَا نَنْسَخْ﴾ النَّسْخُ هُوَ إِزَالَةُ الصُّورَةِ عَنِ الشَّيْءِ وَإِثْبَاتُهَا فِي غَيْرِهِ ، يُقَالُ نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ أَيْ أَزَالَتْهُ. وَنَسَخَ الحُكْمَ بِالحُكْمِ إِذَا أَزَالَهُ بِهِ .
﴿نُنْسِهَا﴾ أَيْ نَجْعَلُهَا تُنْسَى، مِنْ أَنْسَاهُ الشَّيْءَ : أَذْهَبَهُ مِنْ قَلْبِهِ.
﴿وَلِـيٍّ﴾ أَيْ مُتَوَلٍّ أُمُورَكُمْ، أَوْ مُعِينٍ لَكُمْ .
﴿أَمْ﴾ حَرْفُ عَطْفٍ بِالاِسْتِفْهَامِ
﴿يَتَبَدَّلْ﴾ أَيْ يَسْتَبْدِلْ .
﴿أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ الْيَهُودُ وَ النَّصَارَى .
﴿حَسَدًا﴾ الْحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الغَيْرِ ، فِعْلُهُ حَسَدُهُ يَحْسُدُهُ .
﴿تَبَيَّنَ﴾ ظَهَرَ وَ اتَّضَحَ .
﴿وَ اصْفَحُوا﴾ أَيْ اتْرُكُوا اللَّوْمَ وَ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ الْعَفْوِ.
﴿هُودًا﴾ أَيْ يَهُودًا جَمْعُ هَائِدٍ أَيْ تَائِبٌ .
﴿ بَلَى﴾ تَأْتِي رَدًّا لِلنَّفْيِ نَحْوُ : ﴿وَ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا َأَيَّامًا مَعْدُودَةً بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً… إلخ﴾، فَرَدَّ نَفْيَهُمْ . وَ تَأْتِي جَوَابًا لِاسْتِفْهَامٍ مُقْتَرِنٍ بِنَفْيٍ نَحْوُ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ .
﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أَيْ أَخْلَصَ لَهُ نَفْسَهُ وَ انْقَادَ لَهُ.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

نَعَمْ مَنِ اقْتَرَفَ إِثْمًا وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَهْلُ النَّارِ يُقِيمُونَ فِيهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا صَالِحًا كَمَا أُمِرُوا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ خَالِدِينَ فِيهَا.

من المهم التوضيح أن الإثم هنا هو الشرك لأنه الذنب الذي يستوجب العذاب الأبدي

وَ اذْكُرُوا إِذْ أَخَذْنَا عَهْدًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا غَيْرَ اللهِ ، وَأَحْسِنُوا إِلَى وَالِدِيكُمْوَأَهْلِ قَرَابَتِكُمْوَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينَ، وَعَلِّمُوا النَّاسَ طُرُقَ الْخَيْرِ، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَ آتُوا الزَّكَاةَ، فَأَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ صُلَحَائِهِمْ.

وَاذْكُرُوا أَيْضًا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ عَهْدًا بِأَنْ لَا يُقَاتِلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَأَنْ لَا تُخْرِجُوا إِخْوَانَكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ دِيَارِهِمْ، فَأَقْرَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ .ثُمَّ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَتَطْرُدُونَ طَائِفَةً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ، وَتَنْصُرُونَ غَيْرَهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ التَّعَدِّي ، وَإِنْ جَاؤُوكُمْ أُسَارَى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ الْفِدَاءَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ. أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يُقْدِمُ عَلَى هَذِهِ الْخَطِيئَاتِ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ وَلَيْسَ اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ وَكَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، فَحَالَفَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ بَنِي الْأَوْسِ وَحَالَفَتْ بَنُو النَّضِيرِ الْخَزْرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ كُلَّمَا تَقَاتَلَ هَؤُلَاءِ نَصَرَهُمْ حُلَفَاؤُهُمْ، فَكَانَ الْيَهُودُ بِسَبَبِ ذَلِكَ يُقَاتِلُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا.

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿عَلَى شَيْءٍ﴾ أَيْ عَلَى شَيْءٍ صَحِيحٍ يُعْتَدُّ بِهِ .
﴿يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ أَيْ قَالُوا ذَلِكَ وَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
﴿أَظْلَمُ﴾ مِنَ الظُّلْمِ وَ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَ الْجَوْرُ وَ النَّقْصُ .
﴿خَرَابِهَا﴾ أَيْ هَدْمِهَا وَ تَعْطِيلِهَا . وَ خَرَبَ الْبَيْتَ يَخْرِبُهُ خَرْبًا جَعَلَهُ خَرَابًا وَ أَخْرَبَهُ تَرَكَهُ خَرَابًا .
﴿خِزْيٌ﴾ أَيْ ذُلٌّ فِعْلُهُ خَزِيَ يَخْزَى.
﴿تُوَلُّوا﴾ أَيْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ .
﴿فَثَمَّ﴾ ثَمَّ اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ . وَقَدْ تَلْحَقُهُ التَّاءُفَيُقَالُ ثَـمَّةَ .
﴿وَاسِعٌ﴾ أَيْ مُحِيطٌ بِالْأَشْيَاءِ .
﴿قَانِتُونَ﴾ مُنْقَادُونَ . يُقَالُ : قَنَتَ لِلَّهِ يَقْنُتُ وَ قَنَّتَللهِ يُقَنِّتُهُ أَيْ انْقَادَ لَهُ . وَ مِنْ مَعَانِي قَنَتَ: سَكَتَ وَ دَعَا وَ قَامَ فِي الصَّلَاةِ .
﴿بَدِيعُ﴾ مُبْدِعُ فِعْلُهُ بَدِعَ يُبْدِعُ وأَبْدَعَ يُبْدِعُ .
﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا .
﴿بَشِيرًا﴾ أَيْ مُبَشِّرًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْفَوْزِ فِي الدَّارَيْنِ .
﴿وَ نَذِيرًا﴾ أَيْ وَمُنْذِرًا لِلْكَافِرِينَ بِالْخَيْبَةِ فِي الْحَيَاتَيْنِ جَمْعُهُ نُذُرٌ ، يُقَالُ أَنْذَرَهُ بِالْأَمْرِ إِنْذَارًا وَنُذُرًا وَنُذْرًا وَنَذِيرًا أَعْلَمَهُ بِهِ وَحَذَّرَهُ مِنْ عَوَاقِبِهِ .
﴿الْجَحِيمِ﴾ النَّارُ الْمُتَأَجِّجَةُ . وَالْجَحْمَةُ شِدَّةُ تَأَجُّجِ النّارِ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

لِتَعَلُّقِ الْأَسْطُرِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ هَذِهِ الصَّفْحَةِ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي آخَرِ الصَّفْحَةِ الـمُتَقَدِّمَةِ فَسَّرْنَاهَا هُنَالِكَ، وَنَأْتِي هُنَا عَلَى تَفْسِيرِ مَا َبَعْدَهَا فَنَقُولُ:

أُولَئِكَ فَضَّلُوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةَ عَلَى الْحَيَاةِ الأُخْرَى الْبَاقِيَةِ. فَلِذَلِكَ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ نَاصِرِينَ.

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا عَلَى مُوسَى التَّوْرَاةَ وَأَرْسَلْنَا بَعْدَهُ رُسُلًا إِلَى أُمَمٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى جَاءَ دَوْرُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَآتَيْنَاهُ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَشَدَدْنَا أَزْرَهُ بِجِبْرِيلَ. أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ رَسُولٌ بِمَا لَا يُوَافِقُ هَوَاكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ عَنِ اتِّبَاعِهِ ، فَفَرِيقًا تَكْفُرُونَ بِهِمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَهُمْ ؟

وَلَمَّا انْتَهَتْ الرِّسَالَةُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَدَعَاهُمْ لِلإِيمَانِ قَالُوا لَهُ إِنَّ قُلُوبَنَا مُغْلَقَةٌ لَا تَصْلُحُ لِإِدْرَاكِ مَا تَقُولُ . فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ دَعْوَاهُمْ وَأَكَّدَ لَهُمْ أَنَّ قُلُوبَهُمْ لَيْسَتْ مُغْلَقَةً ، وَلَكِنَّ اللهَ أَبْعَدَهُمْ عَنْ قَبُولِ الْخَيْرِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ فَقَلَّمَا يُؤْمِنُونَ بِحَقِيقَةٍ.

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿مِلَّتَهُمْ﴾ أَيْ دِينَهُمْ .
﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾ مُيُولَ أَنْفُسِهِمْ، وَالْهَــوَى الشَّيْءُ الْمَحْبُوبُ، مَحْمُودَا كَانَ أَوْ مَذْمُومًا ، فِعْلُهُ هَوَى يَهْوَى هَوًى .
﴿وَلِيٍّ﴾ أَيْ مُحِبٍّ وَنَصِيرٍ مِنْ وَلِيَهُ يَلِيهِ أَيْ قَامَ بِأَمْرِهِ ، جَمْعُهُ أَوْلِيَاءٌ .
﴿الْخَاسِرُونَ﴾ الْهَالِكُونَ ، يُقَالُ خَسِرَ يَخْسَرُ فِي بَيْعِهِ خُسْرًا وَخَسَارًا وَخُسْرَانًا وَخَسَارَةً ضِدُّ رَبِحَ ، وَخَسِرَ الْمِيزَانَ يُخْسِرُهُ: نَقَصَهُ .
﴿عَدْلٌ﴾ فِدَاءٌ .
﴿شَفَاعَةٌ﴾ طَلَبُ الْعَفْوِ عَنْ مُذْنِبٍ ، يُقَالُ شَفِعَ لِفُلَانٍ فِي مَطْلَبِهِ يَشْفَعُ لَهُ أَيْ سَعَى لَهُ .
﴿ابْتَلَى﴾ الِابْتِلَاءُ فِي الْأَصْلِ التَّكْلِيفُ بِالْأَمْرِ الشَّاقِّ ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الِاخْتِبَارِ .
﴿بِكَلِمَاتٍ﴾ الْمُرَادُ بِكَلِمَاتٍ هُنَا أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ .
﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ أَيْ فَأَدَّاهُنَّ .
﴿مَثَابَةً﴾ أَيْ مَرْجِعًا مِنْ ثَابَ يَثُوبُ أَيْ رَجَعَ .
﴿مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ أَيْ مَكَانِ قِيَامِ إِبْرَاهِيمَ.
﴿مُصَلًّى﴾ مَكَانَ صَلَاةٍ .
﴿وَعَهِدْنَا﴾ أَيْ وَأَوْصَيْنَاهُ وَشَرَطْنَا عَلَيْهِ .
﴿وَالْعَاكِفِينَ﴾ الْمُلَازِمِينَ لَهُ. فِعْلُهُ عَكَفَ عَلَيْهِ يَعْكِفُ وَيَعْكُفُ ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ مُوَاظِبًا وَلَازَمَهُ .
﴿وَالرُّكَّعِ﴾ جَمْعُ رَاكِعٍ .
﴿السُّجُودِ﴾ جَمْعُ سَاجِدٍ .
﴿أَضْطَرُّهُ﴾ أَيْأُجْبِرُهُ .

(تَفْسِيرُ الـمَعَانِي ) – :

وَلَمَّا جَاءَهُمْ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقًا لِلتَّوْرَاةِ الَّتِي مَعَهُمْ وَمُوَافِقًا لَهَا، وَكَانُوا قَبْلَ نُزُولِهِ يَطْلُبُونَ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ بِحُرْمَةِ النَّبِيِّ الْـمُنْتَظَرِ الَّذِي كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ مَبْعَثَهُ وَيُـمـَنُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْـمُبَادَرَةِ إِلَى اتِّبَاعِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ وَفِيهِ الْعَلَامَاتُ الَّتِي عَرَفُوهَا مِنْ كُتُبِهُمْ، قَابَلُوهُ بِالْكُفْرِ بِهِ، فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَافِرِينَ.

بِئْسَ الشَّيْءُ التَّافِهُ الَّذِي بَاعَ بِهِ هَؤُلَاءِ أَنْفُسَهُمْ وَهُوَ كُفْرُهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ حَسَدًا مِنْهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَحْيًا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يُـخْـتَـصُّوا هُمْ وَحْدَهُمْ بِالْوَحْيِ، فَرَجَعُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ زِيَادَةً عَلَى سَابِقِ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ .

وَإِذَا دَعَاهُمْ دَاعٍ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْوَحْيِ الْـجَدِيدِ قَالُوا إِنَّنَا لَا نُؤْمِنُ إِلَّا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِالْقُرْآنِ، مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ مُوَافِقًا لِمَا مَعَهُمْ مِنْ كَلَامِ اللهِ. فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِذَا كَانَ مَا تَقُولُونَ مِنْ أَنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ صَحِيحًا فَلِمَ كُنْتُمْ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ؟ عَلَى أَنَّكُمْ كَفَرْتُمْ بِمُوسَى نَفْسِهِ . فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَكُمْ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِآمَنْتُمْ الْبَيِّنَاتِ آمَنْتُمْ  بِهِ أَوَّلَا ثُمَّ عَبَدْتُمْ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ.

وَ اذْكُرُوا إِذْ أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ عَهْدًا وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الجَبَلَ تَهْدِيدًا لَكُمْ لِتُؤْمِنُوا، وَقُلْنَا لَكُمْ خُذُوا مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا، قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا،  وَامْتَزَجَ حُبُّ عِبَادَةِ العِجْلِ بِدِمَائِكُمْ بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ، فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كَانَ هَذَا يُسَمَّى إِيمَانًا.

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿الْمَصِير ﴾ أَيْ الْمَآلُ .
﴿مُسْلِمَيْنِ ﴾ أَيْ مُخْلِصَيْنِ ، مِنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ ، أَوْ مُسْتَسْلِمَيْنِ مِنْ أَسْلَمَ إِذَا اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ
﴿ مَنَاسِكَنَا ﴾ الْمَنَاسِكُ جَمْعُ مَنْسَكٍ وَمَنْسِكٍ ، وَهِيَ طَرِيقَةُ النُّسُكِ أَيْ الْعِبَادَةِ .
﴿وَالْحِكْمَةَ ﴾ هِيَ مَا تَكْمُلُ بِهِ النُّفُوسُ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْكَامِ .
﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ وَيُطَهِّرُهُمْ .
﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ رَغِبَ عَنِ الشَّيْءِ أَعْرَضَ عَنْهُ ، وَرَغِبَ فِيهِ طَلَبَهُ بِحِرْصٍ .
﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ أَذَلَّهَا وَاسْتَخَفَّ بِهَا
﴿اصْطَفَيْنَاهُ﴾اخْتَرْنَاهُ .
﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ﴾ قِيلَ أَمْهُنَا مُنْقَطِعَةٌ وَمَعْنَى الْهَمْزَةِ فِيهَا الْإِنْكَارُ ، أَيْ مَا كُنْتُمْ حَاضِرِينَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ . وَقِيلَ هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَكُنْتُمْ غَائِــبِينَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ .
﴿ خَلَتْ﴾ مَضَتْ .

(تَفْسِيرُ الـمَعَانِي ) – :

قُلْ يَا مُحَمَّدُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنْ كَانَتْ الدَّارُ الْآخِرَةُ- كَمَا تَقُولُونَ – لَكُمْ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُكُمْ فِي نَعِيمِهَا أَحَدٌ فَتَمَنَّوْا الْـمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؛ لِأَنَّ نَعِيمَ هَذِهِ الْحَيَاةِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا إِذَا قِيسَ بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ. وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِسَبَبِ مَا اجْتَرَحُوهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ.

وَلَتَرَيَنَّهُمْ أَشَدَّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى مِنَ الْـمُشْرِكِينَ أَنْفُسِهُمْ. يَرْجُو الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَنْ يَعِيشَ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا يُجْدِيهُ طُولُ حَيَاتِهِ نَفْعًا فَإِنَّهُ لَنْ يُبْعِدَهُ عَنِ الْعَذَابِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ . هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ قَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا الْيَهُودُ .

قُلْ يَا مُحَمَّدُ: مَنْ كَانَ مُعَادِيًا لِجِبْرِيلَ فَهُوَ عَدُوٌّ لِي، فَإِنَّهُ نَزَّلَ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِي مُصَدِّقًا لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْكُتُبِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلمُؤْمِنِينَ.

فَإِنَّ مَنْ عَادَى اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ فَإِنَّ اللهَ يُعَادِيهِ وَيَجْزِيهِ جَزَاءَ الْكَافِرِينَ. وَكَانَ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ جِبْرِيلُ قَالُوا إِنَّهُ يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالشِّدَّةِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي نَزَلَ بِالْوَحْيِ مِيكَائِيلُ لَاتَّبَعْنَاهُ، لَأُنْهَ يَنْزِلُ بِالسِّلْمِ وَالخَصْبِ.

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿هُودًا﴾ أَيْ يَهُودًا جَمْعُ هَائِدٍ أَيْ تَائِبٌ ، سُمِّيَ بِهِ الْيَهُودُ لِقَوْلِ مُوسَى : رَبَّنَا إِنَّنَا هُدْنَا إِلَيْكَ ، أَيْ تُبْنَا وَرَجَعْنَا .
﴿حَنِيفًا﴾ أَيْ مَائِلًا عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ
﴿وَالْأَسْبَاطِ﴾ الْأَحْفَادُ جَمْعُ سِبْطٍ ، يُرِيدُ حَفَدَةَ يَعْقُوبَ أَوْ أَبْنَاءَهُ وَذُرِّيَتَهُمْ .
﴿تَوَلَّوْا﴾ أَعْرَضُوا .
﴿صِبْغَةَ اللهِ﴾ فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا حِلْيَةُ الْإِنْسَانِ، كَمَا أَنَّ الصِّبْغَةَ حِلْيَةُ الْمَصْبُوغِ .
﴿أَتُحَاجُّونَنَا﴾ أَيْ أَتُجَادِلُونَنَا ، مِنْ حَاجَّهُ يُحَاجُّهُ مُحَاجَّة وَحِجَاجًا أَيْ جَادَلُهُ .
﴿خَلَتْ﴾ مَضَتْ .
﴿السُّفَهَاءُ﴾ خِفَافُ الْعُقُولِ .
﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ أَيْ مَا صَرَفَهُمْ .
﴿قِبْلَتِهِمْ﴾ الْقِبْلَةُ فِي الْأَصْلِ الْجِهَةُ . يُقَالُ مَا لِهَذَا الْأَمْرِ قِبْلَةٌ أَيْ لَيْسَ لَهُ جِهَةُ صِحَّةٍ . وَمِنْهُ قِبْلَةُ الْمُصَلِّي الْجِهَةُ الَّتِي يُصَلِّي نَحْوَهَا وَهِيَ الْكَعْبَةُ

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ آيَاتٍ وَاضِحَاتٍ مَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْخَوَارِجُ وَالْـمُعَانِدُونَ.

أَوَ كُلَّمَا عَقَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَهْدًا رَمَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَأَكْثَرُهُمْ كَافِرُونَ؟وَلَمَّا جَاءَهُمْ الْقُرْآنُ مصدِّقًا لِكُتُبِهُمْ جَحَدَهُ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ مَعَ أَنَّهُمْ مُوقِنُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِقِيَامِ الدَّلَائِلِ مِنْ كُتُبِهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِ.وَ انْهَمَكُوا عَلَى مَا كَانَ يَقْرَأُهُ الشَّيَاطِينُ عَلَى عَهْدِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ مِنْ السِّحْرِ يُعَلِّمُونَهُ لِلنَّاسِ إِفْسَادًا لَهُمْ. وَاتَّبَعُوا أَيْضًا مَا أُنْزِلَ عَلَى الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحِينَ بِبَابِلَ مِنْ الأُمُورِ السِّحْرِيَّةِ ، مَعَ أَنَّهُمَا كَانَا إِذَا عَلَّمَا أَحَدًا حَذَّرَاهُ مِنْ الإِيذَاءِ بِهِ وَقَالَا لَهُ : إِنَّمَا هُوَ امْتِحَانٌ لِلنَّاسِ فَلَا تَكْفُرْ بِاللهِ بِسَبَبِهِ ، فَكَانَ النَّاسُ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَمَا هُمْ بِمُؤْذِينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ. وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَنْ تَجَرَّدَ لِهَذِهِ الأُمُورِ الْـمُؤْذِيَةِ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿وَسَطًا﴾ أَيْ خِيَارًا مُعْتَدِلِينَ ، يُقَالُ رَجُلٌ وَسَطٌ أَيْ حَسَنٌ .
﴿يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ أَيْ يَرْتَدُّ وَيَرْجِعُ . وَالْعَقِبُ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ . يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ بعَقِبِ فُلَانٍ أَوْ بِعَقِبِهِ أَيْ جَاءَ بَعْدَهُ وَمَعْنَاهُ جَاءَ يَطَأُ عَقِبَهُ . ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ جَاءَ عَقِبَهُ .
﴿تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ تَرَدُّدَهُ طَلَبًا لِلْوَحْيِ .
﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ أَيْ فَلَنُوَجِهَنَّكَ جِهَتَهَا .
﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ أَيْ فَوَجِّهْ وَجْهَكَ .
﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أَيْ جِهَتَهُ . يُقَالُ شَطَرَ شَطْرَهُ أَيْ قَصَدَ قَصْدَهُ.
﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾ أَيْ مَا تُزَيِّنُهُ لَهُمْ نُفُوسُهُمْ، جَمْعُ هَوًى
﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ أَيْ يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا أَوْالْقُرْآنَ.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَ لَوْ أَنَّهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ السِّحْرَ آمَنُوا وَخَافُوا اللهَ لَأَثَابَهُمْ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ مَثُوبَةً مثُوبة بالضمة أَفْضَلَ مِـمَّا شَغَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِهِ.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا لِرَسُولِ اللهِ رَاعِنَا بَلْ اسْتَعِيضُوا عَنْهَا بِقَوْلِكُمْ أَنَظِرْنَا، وَاسْمَعُوا مَا نَقُولُ سَمَاعَ قَبُولٍ، وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَ قَدْ أَبْدَلَ اللهُ بِقَوْلِهِمْ﴿ رَاعِنَا ﴾قَوْلَهُمْ﴿ انْظُرْنَا ﴾لِأَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا سَمِعُوا الصَّحَابَةَ يَقُولُونَهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ وَرَأَوْا أَنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ تُوَافِقُ كَلِمَةَ سَبٍّ فِي العِبْرِيَّةِ أَخَذُوا يَقُولُونَهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ .

يَا أَيُّهَا الـمُؤْمِنُونَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرُونَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلَا الْـمُشْرِكُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ عَلَيْكُمْ وَحْيًا مِنْ عِنْدِهِ لِيُصْلِحَ بِهِ أُمُورَكُمْ، وَ اللهُ يَخُصُّ بِرَحْمَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .

مَا نُبْطِلْ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ نُبَدِّلْ بِحُكْمِهَا حُكْمًا آخَرَ أَوْ نَجْعَلْهَا تُنْسَى إِلَّا أَتَيْنَاكُمْ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لَمَّا قَالَ الْـمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ: أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِأَمْرٍ ثُمَّ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِـخِلَافِهِ .

نَقُولُ: إِنَّ النَّسْخَ ضَرُورِيٌّ فِي الْأَحْكَامِ بِسَبَبِ تَطَوِّرِ الْأُمَمِ وَتَرَقِّيهَا أَوْ تَدَلِّيهَا، وَأَنَّ الإِسْلَامَ دِينٌ عَمَلِيٌّ فَلَا مَنَاصَ لَهُ مِنْ مُسَايَرَةِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ فِي تَقَلُّبَاتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ كَمَالَهُ، أَلَيْسَ هَذَا أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُضْطَرُّ الْآخِذُونَ بِالدِّينِ لِتَرْكِهَا واللَّجَأِ إِلَى تَشْرِيعِ أَجْنَبِيٍّ؟