photo_2021-08-04_19-00-31

The tafsir of the Koran

21-40

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿الْمُمْتَرِينَ﴾ الشَّاكِّينَ . يُقَالُ امْتَرَى فِي الشَّيْءِ شَكَّ فِيهِ . وَتَمَارَى فِيهِ شَكَّ فِيهِ أَيْضًا . وَتَمَارَيَا يَتَمَارَيَانِ تَمَارِيًا أَيْ تَجَادَلَا يَتَجَادَلَانِ تَجَادُلًا
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ أَيْ جِهَةٌ يَسْتَقْبِلُونَهَا أَوْ قِبْلَةٌ .
﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾أَيْ هُوَ مُولِيهَا وَجْهَهُ أَوِ اللهُ مُولِيهَا إِيَّاهُ .
﴿فَاسْتَبِقُوا﴾ أَيْ فَتَسَابَقُوا .
﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ حَيْثُ ظَرْفُ مَكَانٍ أَيْ وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ خَرَجْتَ .
﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أَيْ فَوَجِّهْ وَجْهَكَ جِهَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ أَيْ يُطَهِّرُكُمْ .
﴿الصَّلاةِ﴾ هِيَ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَالدِّينُ وَالرَّحْمَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ . وَفِي الِاصْطِلَاحُ عِبَادَةٌ فِيهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَحَرَكَاتٌ يَعْرِفُهَا الْمُسْلِمُونَ . قِيلَ وَالصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الخَيْرِ ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَيَكُوُنُ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ.
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ وَلَنَمْتَحِنَنَّكُمْ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

أَمْ تُرِيدُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تُكْثِرُوا مِنْ سُؤَالِ رَسُولِكُمْ كَمَا فَعَلَ الْيَهُودَ مِنْ قَبْلُ، إِذْ شَدَّدُوا فِي السُّؤَالِ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّكْلِيفِ، وَمَنْ يَسْتَبْدِلِ الكُفْرُ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ، أَيْ الطَّرِيقَ الْوَسَطَ .

أَحَبَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ رَدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا لَكُمْ وَسُوءَ قَصْدٍ بِكُمْ مِنْ بَعْدِ مَا ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ ، فَاعْفُوا عَنْهُمْ ، وَلَا تَلُومُوهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ، أَيْ حَتَّى يَأْذَنَ لَكُمْ فِي قِتَالِهِمْ، إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَيْ قَدِيرٌ عَلَى الاِنْتِقَامِ مِنْهُمْ.وَعَدِّلُوا صَلَوَاتِكُمْ وَ آتُوا زَكَوَاتِكُمْ ، وَكُلُّ خَيْرٍ تُقَدِّمُونَهُ لِأَنْفُسِكُمْ تَجِدُونَهُ مَذْخُورًا عِنْدَ اللهِ لَكُمْ ، إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِجَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ فَيُسَجِّلُ لَكُمْ حَسَنَاتِكُمْ وَسَيِّئَاتِكُمْ.

وَقَالَ كُلٌّ مِنْ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ. تِلْكَ خَيَالَاتُهُمْ وَأَحْلَامُهُمْ، فَقُولُوا لَهُمْ هَاتُوا دَلِيلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. نَعَمْ مَنْ أَخْلَصَ نَفْسَهُ لِلّهِ وَتَرَكَ الْأَوْهَامَ وَ الْأَضَالِيلَ وَتَجَرَّدَ مِنْ كُلِّ تَخْيِيلٍ وَأَحْسَن فِي عَمَلِهِ فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا هُمْ يَتَكَدَّرُون.وَقَدْ زَعْمُ الْيَهُودُ أَنَّ النَّصَارَى لَيْسُوا عَلَى دِينٍ صَحِيحٍ، وَقَالَ النَّصَارَى فِي الْيَهُودِ مِثْلَ ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ كَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ وَالْمُعَطِّلِينَ ، فَاللهُ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ. أَمَّا الْجَنَّةُ فَهِيَ لِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾ قِيلَ الْمُرَادُ بِالثَّمَرَاتِ هُنَا الْأَوْلَادُ.
﴿صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ الْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ مِنَ اللهِ الرَّحْمَةُ .
﴿الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ﴾ الصَّفَا جِهَةٌ بِأَصْلِ جَبَلِأَبِي قُبَيْسٍ بِمَكَّةَ ، وَالْمَرْوَةُ جَبَلٌ بِمَكَّةَ أَيْضًا .
﴿مِن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ جَمْعُ شَعِيرَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ . وَالْمُرَادُ بِشَعَائِرِ اللهِ عَلَامَاتُ دِينِهِ كَالصَّلَاةِ وَمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا .
﴿اعْتَمَرَ﴾ أَيْ زَارَ ، وَالِاعْتِمَارُ فِي الِاصْطِلَاحِ الدِّينِيِّ هُوَ الْحَجُّ وَلَكِنْ بِغَيْرِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ . وَالْعُمْرَةُ الزِّيَارَةُ .
﴿فَلاَ جُنَاحَ﴾ فَلَا إِثْمَ .
﴿يَطَّوَّفَ﴾ أَيْ يَتَطَوَّفَ .
﴿تَطَوَّعَ﴾ فِعْلُ طَاعَةٍ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا .
﴿يُنْظَرُونَ﴾ أَيْ يُمْهَلُونَ . نَظَرَهُ يَنْظُرُهُ وَأَنْظَرَهُ : أَمْهَلَهُ .
﴿الْفُلْكِ﴾ السَّفِينَةُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ بِهَذَا الْوَزْنِ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِعِ .
﴿وَبَثَّ﴾ أَيْ نَشَرَ يُقَالُ بَثَّ الْخَبَرَ يَبُثُّهُ بَثًّا وَبَثَثَهُ وَأَبَثَّهُ نَشَرَهُ وَأَذَاعَهُ. وَبَثَّ اللهُ الْخَلْقَ فِي الْأَرْضِ نَشَرَهُمْ فِيهَا .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

مَنْ أَكْثَرُ ظُلْمًا مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُصَلَّى فِيهَا وَ عَمِلَ عَلَى تَعْطِيلِهَا ! أُولَئِكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهُا إِلَّا بِخَشْيَةٍ وَ خُشُوعٍ لَا أَنْ يَجْتَرِئُوا عَلَى تَخْرِيبِهَا . سَيَنَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا ذُلٌّ وَعَارٌ ، وَسَيَحِيقُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ أَلِيمٌ . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قُرَيْشٍ حِينَ مَنَعَتْ رَسُولَ اللهِ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ حِينَ قَصَدَهَا مُعْتَمِرًا .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، أَيْ أَنَّ لَهُ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ مَكَانٌ دُونَ مَكَانٍ ، فَإِنْ كَانُوا مَنعُوكُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَصَلُّوا حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ اللهَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ .

وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْمِلَلِ أَنَّ اللهَ اتَّخَذَ لَهُ وَلَدًا ، سُبْحَانَهُ ، أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا يَدَّعُونَ ، كَيْفَ يَتَّخِذُ وَلَدًا وَكُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ مُنْقَادُونَ لَهُ.مُبْدِعُ الْكَوْنِ كُلِّهِ إِذَا أَرَادَ حُدُوثَ شَيْءٍ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ- أَيْ الْمُشْرِكُونَ- : هَلَّا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا مُعْجِزَةٌ ؟ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ ، تَمَاثَلَتْ قُلُوبُهُمْ فِي التَّعَنُّتِ . لَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَطْلُبُونَ الْيَقِينَ . أَمَّا أَنْتُمْ فَمُتَعَنِّتُونَ لَاتُرِيدُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَلَوْ جَاءَتْكُمْ أَلْفُ آيَةٍ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿دَابَّةٍ﴾ مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَلَبَ عَلَى مَا يُرْكَبُ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ . وَدَبَّ يَدِبُّ دَبًّا وَدَبِيبًا مَشَى عَلَى هِينَتِهِ .
﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ أَيْ تَوْجِيهِهَا إِلَى الْوِجْهَات الضَّرُورِيَّةِ .
﴿الْمُسَخَّرِ﴾ الْمُذَلَّلِ .
﴿أَنْدَادًا﴾ نُظَرَاءَ مُخَالِفِينَ جَمْعُ نِدٍّ . يُقَاٌلُ هُوَ نِدُّ فُلَانٍ وَهِيَ نِدُّ فُلَانَةٍ ، وَالنَّدِيدُ هُوَ النِّدُّ أَيْضًا جَمْعُهُ نُدَدَاءُ
﴿الأَسْبَابُ﴾ الْعَلَاقَاتُ جَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْوَصْلَةُ .
﴿كَرَّةً﴾ أَيْ رَجْعَةً لْلدُّنْيَا .
﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ الْخُطْوَةُ مَا بَيْنَ الْخُطْوَتَيْنِ ، وَالخُطْوَةُ الْمَرَّةُ مِنَ الْخَطْوِ ، وَقِيلَ كِلْتَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
﴿وَالْفَحْشَاءِ﴾ هِيَ مَا أَنْكَرَهُ الْعَقْلُ وَاسْتَقْبَحَهُ الشَّرْع
﴿مَا أَلْفَيْنَا﴾ أَيْ مَا وَجَدْنَا . أَلْفَاهُ يَلْفِيهِ إِلْفًا وَجَدَهُ .
﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا﴾ الْهَمْزَةُ فِي أَوَلَوْ لِلرَّدِ وَلِلتَّعَجُّبِ ، وَجَوابُ لَوْ مَحْذُوفٌ . وَالْمَعْنَى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ جُهَّالًا لَا يُفَكِّرُونَ لَاتَّبَعُوهُمْ .
﴿يَنْعِقُ﴾ يُصَوِّتُ عَلَى غَنَمِهِ . مِنْ نَعَقَ الرَّاعِي بِغَنَمَهِ يَنْعِقُ وَيَنْعَقُ.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

يَا مُحَمَّدُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ مُؤَيَّدًا بِالْحَقِّ مُبَشِّرًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُنْذِرًا لِلْكَافِرِينَ وَلَسْتَ بِمَسْؤُولٍ عَنِ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّون النَّارَ الْمُتَأَجِّجَةَ .

وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَصْبَأ َإِلَى دِيِنِهِمْ ، فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ هُدَى اللهِ- أَيْ الإِسْلَامُ- هُوَ الهُدَى الصَّحِيحُ لَا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ، وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَضَالِيلَهُمْ بَعْدَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ مَالَكَ مِنَ اللهِ مِنْ مُحِبٍّ وَلَا نَاصِرٍ يَدْفَعُ عَنْكَ عِقَابَهُ .

أَمَّا مُؤْمِنُوا أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَتْلُونَ مَا نَزَل إِلَيْهِمْ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ، أَيْ بِلَا تَحْرِيفٍ ، فَإِنَّهُ يُؤَدِي بهِمْ لِلْإِيمَانِ بِجَمِيعِ رُسُلِ اللهِ ، وَمَنْ يَكْفُرْ مِنْهُمْ بِكِتَابِهِ بِتَشْوِيهِهِ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْهَالِكُونَ .

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي تَفَضَّلْتُ بِهَا عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ .وَاحْذَرُوا يَوْمًا لَا تُغْنِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا فِدَاءٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ فِيهَا لَا يُنْصَرُونَ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ أي وما رفع به الصوت عند ذبحه للصنم دون الله . وأصل معنى الإهلال رؤية الهلال ، وبما أنه قد جرت العادة أن يكبر الله عند رؤية الهلال سمي التكبير إهلالا .
﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ غير متجاوز الاقتصاد ، فعله بغى يبغي بغيا .
﴿وَلَا عَادٍ﴾ أي ولا متعد فعله عدا يعدو عدوا أي تجاوز الحد .
﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ أي ويبيعونه بثمن قليل
﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾ أي ولا يطهرهم .
﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ تعجب من أمرهم في ارتكاب ما يؤديهم إلى دخول النار والمكث فيها.
﴿شِقَاقٍ﴾ الشقاق المخالفة .
﴿بَعِيدٍ﴾ أي بعيد عن الحق . ﴿الْبِرَّ﴾كلّ فعلٍ مرضٍ
﴿قِبَلَ﴾ أَيْ جِهَةَ .
﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ أَيْ عَلَى حُبِّ الْمَالِ أَوْ عَلَى حُبِّ اللهِ
﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ الْمُسَافِرُ ، سُمِّيَ كَذَلِكَ لِمُلَازَمَتِهِ السَّبِيلَ .
﴿وَالسَّائِلِينَ﴾ الَّذِينَ أَلْجَأَتْهُمْ الْحَاجَةُ لِسُؤَالِ النَّاسِ .
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ أَيْ فِي تَخْلِيصِهَا بِإِعَانَةِ الْأَسْرَى عَلَى الِافْتِدَاءِ أَوْ بِشِرَائِهِمْ لِعِتْقِهِمْ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَإِذْ اخْتَبَرَ اللهُ إِيمَانَ إِبْرَاهِيمَ بِأَوَامِرَ وَنَوَاهٍ كَلَّفَهُ إِيَّاهُنَّ فَقَامَ بِهِنَّ فَقَالَ لَهُ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ قُدْوَةً. فَدَعَا رَبَّهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَيْضًا لِذُرِيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، فَأَجَابَهُ اللهُ بِأَنَّ عَهْدَهُ لَا يَصْلُحُ لُهُ إِلَّا الصَّالِحُونَ .

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَرْجِعًا لِلنَّاسِ وَأَمْنًا لَهُمْ يَأْوُونَإِلَيْهِ عِنْدَ الْمَخَاوِفِ . ثُمَّ قَالَ وَاتَّخِذُوا مَحَلَّ قِيَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ” وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ لِلْحَجِّ ” ، ثُمَّ كَلَّفْنَا إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ أَنْ يُطَهِّرَا بَيْتَنَا وَ يُعِدَّاه لِلطَّائِفِينَ حَوْلَهُ وَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ وَ لِلرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ فِيهِ .

وَإِذْ دَعَا إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ فِي أَمْنٍ وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ خَيْرَاتِ الْأَرْضِ ، مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِكَ وَ انْقَادَ لِدِينِكَ . فَأَجَابَهُ اللهُ قَائِلًا : وَ سَأَرْزُقُ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ أَيْضًا فَأُمَتِّعُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ أَسُوقُهُ إِلَى النَّارِ وَ بِئْسَ الْمَآلُ .وَ إِذْ يَبْنِي إِبْرَاهِيمُ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ وَ مَعَهُ إِسْمَاعِيلُ وَ هُمَا يَدْعُوَانِ اللهَ قَائِلَيْنِ : رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا أَعْمَالَنَا لَكَ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لِلدَّاعِينَ ، الْعَلِيمُ بِأَحْوَالِهِمْ .رَبَّنَا وَ اجْعَلْنَا مُخْلِصَيْنِ لَكَ وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَتِنَا أُمَّةً مُخْلِصَةً لَكَ وَأَرِنَا طَرَائِقَ عِبَادَتِكَ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاءِ﴾ الْبَأْسَاءُ شِدَّةُ الْفَقْرِ وَالضَّرَاءُ الْمَرَضُ .
﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ وَقْتَ شِدَّةِ الْقِتَالِ .
﴿الْقِصَاصُ﴾ الْقَوَدُ وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ بِالْجَانِي مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ أَيْ فَمَنْ عُفِيَ عَنْ جِنَايَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ وَهُوَ وَلِيُّ الدَّمِ .
﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ فَعَلَى الَّذِي عَفَا أَنْ يَتَتَّبَعَ الْمَعْفُوَ عَنْهُ وَيَتَعَقَّبَهُ بِالْمُطَالَبَةِ بِالدِّيَةِ بِالْمَعْرُوفِ .
﴿وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ أَيْ وَعَلَى الْمَعْفُوِ عَنْهُ أَدَاءُ الدِّيَةِ بِلَا مَطْلٍ وَلَا بَخْسٍ .
﴿الْأَلْبَابِ﴾ الْعُقُولِ، جَمْعُ لُبٍّ .
﴿خَيْرًا﴾ أَيْ مَالًا ، وَقِيلَ مَالًا كَثِيرًا .
﴿مُوصٍ﴾ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْصَى .
﴿جَنَفًا﴾ مَيْلًا فِعْلُهُ جَنَفَ عَنِ الطَّرِيقِ يَجْنَفُ جُنُوفًا وَجَنِفَ يَجْنِفُ جَنَفًا أَيْ عَدَلَ عَنْهُ .
﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ أيام أخر﴾ أَيْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ عَدَدِ أَيَّامِ الْمَرَضِ أَوِ السَّفَرِ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيُلُ وَهُمَا يَبْنِيَانِ الْبَيْتَ : رَبَّنَا وَأَرْسِلْ فِي تِلْكَ الْأُمَّةِ الَّتِي مِنْ ذُرِّيَتِنَا رَسُولًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ مَا تُنَزِّلُهُ مِنْ وَحْيِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ وَمَا تَكْمُلُ بِهِ نُفُوسُهُمْ مِنَ الْمَعَارِفِ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .وَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْرِضُ عَنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنِ اسْتَخَفَّ بِنَفْسِهِ ؟ فَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ .إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُأَسْلِمْ ، فَأَجَابَهُ قَائِلًا : أَسْلَمْتُ لَكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

وَ وَصَّى إِبْرَاهِيمُ بِهَا – أَيْ بِالْمِلَّةِ – أَبْنَاءَهُ ، وَ وَصَّى يَعْقُوبُ بِهَا أَيْضًا بَنِيهِ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا : يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اخْتَارَ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَلَا تَمُوتُوا إِلَّا مُسْلِمِينَ .

وَمَا كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ حَاضِرِينَ إِذْ قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ؟ فَأَجَابُوهُ : نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَحْنُ لَهُ مُسْتَسْلِمُونَ .

وَ لَكِنْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَذِهِ أُمُّةٌقَدْ مَضَتْ لِسَبِيلِهَا بِمَا كَسَبَتْ مِنْخَيْرٍ وَشَرٍّ ، وَلَكُمْ مَا تَكْسِبُونَهُ مِنْهُمَا، لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ .وَالْمَعْنَى : أَنَّ انْتْسَابَكُمْ إِلَيْهِمْ لَا يُجْدِيكُمْ نَفْعًا وَلَا يُنْجِيكُمْ مْنْعَذَابِ اللهِ إِنْ أَسَأْتُمْ . لَسْتُمْ بِمَسْؤُولِيَن عَنْهُمْ فَاعْمَلُوا لِأَنْفُسِكُمْ لَا تُـمَنُّوهَا الْأَمَانِيَّ الْكَاذِبَةَ فَإِنَّ اللهَ لَا يُحَابِي أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّﷺ: “لَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ وَتَأْتُونِي بِأَنْسَابِكُمْ” ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ أَيْ فَمَنْ زَادَ فِي الْفِدْيَةِ .
﴿وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أَيْ وَصِيَامُكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ .
﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ أَيْ هِدَايَةً لِلنَّاسِ وَآيَاتٍ وَاضِحَاتٍ تُرْشِدُ إِلَى الْحَقِّ وَإِلى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ .
﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾هذَا تَعْلِيلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ شَرَعَ لَكُمْ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ إِلى آخِرِهِ .
﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ أَيْ فَلْيُلَبُّوا دَعْوَتِي إِيَّاهُمْ لِلْإِيمَانِ
﴿يَرْشُدُونَ﴾ يَهْتَدُونَ . يُقَالُ رَشَدَ يَرْشُدُ وَيَرْشَدُ رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا: اهْتَدَى .
﴿الرَّفَثُ﴾ هُوَ الْإِفْصَاحُ بِمَا يَجِبُ أَنْ يُكَنَّى عَنْهُ ، وَكَنَّى بِهِ هُنَا عَنْ مُقَارَبَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ رَفَثٍ . فِعْلُهُ رَفَثَ يَرْفَثُ .
﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ شَبَّهَ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ بِاللِّبَاسِ كُلٌ لِصَاحِبِهِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتُرُ حَالَ صَاحِبِهِ وَيَمْنَعُهُ الْفُجُورَ .
﴿تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ تَخُونُونُهَا .
﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ أَيْ بَعْدَ أَنْ تَنْوُوا الصِّيَامَ أَوَّلَ الْفَجْرِ ظَلُّوا مُمْسِكِينَ عَنِ الْإِفْطَارِ إِلَى اللَّيلِ الَّذِي أَوَّلُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ .
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾ أَيْ فَلَا تَقْرَبُوا الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَتَعَدَّوْهُ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ : كُونُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ يَهُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا إِلَى الطَّرِيقِ السَّوِيِّ ، فَقُلْ لَهُمْ : بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الْمَائِلَ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .

قُولُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُوحِيَ إِلَيْنَا وَمَا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ كَافَّةً لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، فَلَا نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ كَمَا يَفْعَلُ غَيْرُنَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَنَحْنُ لِلّهِ مُسْتَسْلِمُونَ .

فَإِنْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِثْلَ إِيمَانِكُمْ هَذَا فَقَدِ اهْتَدَوْا إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَإِنْ أَعْرَضُوا فَإِنَّمَا هُمْ فِي خِلَافٍ وَعِنَادٍ، فَسَيَحْمِيكَ اللهُ مِنْ شَرِّهِمْ وَيَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ السَّمِيعُ بِمَا يَقُولُونَ ، الْعَلِيمُ بِمَا يَعْمَلُونَ .الْإِيمَانُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صِبْغَةُ اللهِ حَلَّاكُمْ بِهَا ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِصِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ.

قُلْ لَهُمْ : أَتُجَادِلُونَنَا فِي اللهِ زَاعِمِينَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْكُمْ دُونَ غَيْرِكُمْ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ عَلَى السَّوَاءِ ، فَكَمَا أَرْسَلَ إِلَيْكُمْ رُسُلًا أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولًا . وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ .

أَمْ تَدَّعُونَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا يَهُودًا أَوْ نَصَارَى ؟ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ ؟ فَمَنْ أَشَدُّ ظُلْمًا مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً يَعْلَمُهَا عَنِ اللهِ ؟ هَذِهِ الشَّهَادَةُ هِيَ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَهُ مِنْ تَبَرُّءِإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَحُكْمِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ أَيْ وَلَا تُلْقُوا حُومَتَهَا إِلَى الْحُكَّامِ . والْإِدْلَاءُ : الْإِلْقَاءُ ، يُقَالُ أَدْلَى إِلَيْهِ بِمَالٍ دَفَعَهُ لَهُ ، وَأَدْلَى بِحُجَّتِهِ أَحْضَرَهَا واحْتَجَّ بِهَا .
﴿مَوَاقِيتُ﴾ جَمْعُ مِيقَاتٍ: الْوَقْتُ . وَقِيلَ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلشَّيْءِ .
﴿ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ أَيْ صَادَفْتُمُوهُمْ .
﴿وَالْفِتْنَةُ﴾ أَيْ الْمُصِيبَةُ الَّتِي يُفْتَنُ بِهَا الْإِنْسَانُ ، وَمَعْنَاهَا هُنَا ضَلَالَاتِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَأْتُونَهَا فِي الْحَرَمِ .
﴿فَإِنِ انتَهَوْا﴾ أَيْ فَإِنْ كَفُّوا عَنْ قِتَالِكُمْ وَضَلَالَاتِهِمْ
﴿فَلاَ عُدْوَانَ﴾ أَيْ فَلَا تَعَدِّيَ هُوَ مَصْدَرُ عَدَا عَلَيْهِ أَيْ ظَلَمَهُ . وَالْعَدْوَى وَالْعُدْوَانُ الظُّلْمُ .
﴿فِتْنَةٌ﴾ الْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ هُنَا الشِّرْكُ .
﴿وَالْحُرُمَاتُ﴾ جَمْعُ حُرْمَةٍ وَهِيَ مَا لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ
﴿قِصَاصٌ﴾ أَيْ مُجْزَاةٌ بِمْثِلِ الْفِعْلِ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

تِلْكَ أُمَّةٌ – أَيْ أُمَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَتِهِ – قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ : عَلَيْهِمْ تَبِعَةُ أَعْمَالِهِمْ وَعَلَيْكُمْ تَبِعَةُ أَعْمَالِكُمْ، لَا تُسْأَلُونَ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُسْأَلُونَ عَنْكُمْ .

سَيَقُولُ ضُعَفَاءُ الْعُقُولِ مِنَ النَّاسِ : مَا الَّذِي صَرَفَهُمْ عَنِ الْقِبْلَةِ الَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَيْهَا وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ؛ إِذْ كَانَتْ قِبْلَةَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْكَعْبَةِ ؟ فَقُلْ لَهُمْ : لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ ، فَأَيْنَمَا وَلَّيْنَا وُجُوهُنَا فَهُنَاكَ وَجْهُ اللهِ .

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً خِيَارًا أَوْ مُعْتَدِلِينَ مُتَحَلِّينَ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِتَشْهَدُوا عَلَى النَّاسِ فِي إِفْرَاطِهِمْ وَتَفْرِيطِهِمْ ، وَيَشْهَدَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ . وَمَا أَمَرْنَاكَ أَنْ تُوَلِّيَ وَجْهَكَ فِي صَلَاتِكَ شَطْرَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَّا لِنَخْتَبِرَ النَّاسَ هَلْ يُطِيعُونَ اللهَ فِي صَرْفِهِمْ عَنْ قِبْلَةِ آبَائِهِمْ وَهِيَ الْكَعْبَةُ أَمْ يَعْصُونَهُ تَعَصُّبًا لِمَا أَلِفُوهُ . وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ التَّوْلِيَةُ كَبِيرَةً صَعْبَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَاخْتَارَهُمْ لِطَاعَتِهِ ، وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ عَلَيْكُمْ إِيمَانَكُمْ ، إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهِ أَنَّ النَّاسَ بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى مَكَّةَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ إِخْوَانِنَا قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُطَمْئِنُهُمْ عَلَى مَصِيرِ إِخْوَانِهِمْ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿التَّهْلُكَةِ﴾ الْهَلَاكُ مَصْدَرُ هَلَكَ يَهْلَكُ .
﴿الْعُمْرَةَ﴾ الزِّيَارَةُ .
﴿أُحْصِرْتُمْ﴾ أَيْ حُوصِرْتُمْ مِنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ يَحْصُرُهُ وَيَحْصِرُهُ وَأَحْصَرَهُ بِمَعْنَى حَبَسَهُ ومَنَعَهُ الْمُضِيَّ .
﴿اسْتَيْسَرَ﴾ تَيَسَّرَ .
﴿الْهَدْيُ﴾ جَمْعُ هَدْيَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ أَوِ الْبَقَرَةُ أَوِ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ فيِ الْحَجِّ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضَا هَدِيَّةٌ جَمْعُهَا هَدِيٌّ .
﴿مَحِلَّهُ﴾ أَيْ مَكَانَهُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ أَنْ يُنْحَرَ .
﴿نُسُكٍ﴾ أَيْ ذِبْحٍ، لِأَنَّ مِنْ مَعَانِي نَسَكَ يَنْسَكُ ذَبَحَ لِلَّهِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ .
﴿اسْتَيْسَرَ﴾ تَيَسَّرَ .
﴿الْهَدْيِ﴾ مَا يُقَرَّبُ لِلَّهِ فِي مَكَّةَ مِنْ نَاقَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ .
﴿فَلا رَفَثَ﴾ أَيْ فَلَا مُبَاشَرَةَ لِلنِّسَاءِ أَوْ فَلَا فُحْشَ فِي الْكَلَامِ . ﴿ وَلَا فُسُوقَ﴾ أَيْ وَلَا خُرُوجَ عَنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ .
﴿وَلَا جِدَالَ﴾ أَيْ وَلَا خِصَامَ مَعَ الرُّفَقَاءِ .
﴿الأَلْبَابِ﴾ الْعُقُولِ مُفْرَدُهُ لُبٌّ.
﴿ تَبْتَغُوا﴾ أَيْ تَطْلُبُوا .
﴿أَفَضْتُمْ﴾ أَيْ أَفَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ، مِنْ قَوْلِهِ أَفْضْتَ الْمَاءَ إِذَا صَبَبْتَهُ بِكَثْرَةٍ ، وَالْمَعْنَى : نَزَلْتُمْ .
﴿الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ جَبَلٌ يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ . سُمِّيَ مَشْعَرًا لِأَنَّهُ مَعْلَمُ الْعِبَادَةِ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

إِنَّنَا نَرَى يَا مُحَمَّدُ تَرَدُّدَوَجْهِكَ فِي السَّمَاءَ تَطَلُّبًا لِلْوَحْيِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِأَمْرِ الْقِبْلَةِ ، فَلَنُوَجِهَّنَّكَ إِلَى قِبْلَةٍ تُحِبُّهَا ، قِبْلَةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ ، فَوَلِّ وَجْهَكَ جِهَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَفِي أَيِّ جِهَةٍ كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ جِهَتَهُ، وَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا التَّحْوِيلَ هُوَ الْحَقُّ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ مِنْ كِتْمَانِهِ .

وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمِنَ الْعِنَادِ بِحَيْثُ لَوْ أَتَيْتَهُمْ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ لِاخْتِلَافِهِمْ وَتَشَيُّعِهِمْ لِآرَائِهِمْ ، فَإِذَا اتَّبَعْتَ ضَلَالَاتِهِمْ فَإِنَّكَ تَظْلِمُ نَفْسَكَ .

إِنَّ هَؤُلَاءِ الكِتَابِيِّينَ لَيَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا وَصِدْقَ رِسَالَتِهِ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهَمُ ، وَلَكِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ يَكْتُمُونَ الْحَقَّ عَمْدًا حَسَدًا لَهُ .

إِنَّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِّينَ . وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ وِجْهَةٌ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا فَتَسَابَقُوا أَفْضَلَ الوِجْهَاتِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا تُعْجِزُونَ اللهَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِكُمْ وَيَجْمَعُكُمْ أَيْنَمَا تَكُونُوا إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ أَيْ ثُمَّ انْزِلُوا مِنْ عَرَفَةَ حَيْثُ يَنْزِلُ النَّاسُ لَا مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ لِتَتَرَفَّعُوا عَنِ الْخَلْقِ . وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ فَقَدْ كَانَتْ تَتَرَفَّعُ عَنِ النَّاسِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِرَدْعِهَا عَنْ ذَلِكَ .
﴿مَنَاسِكَكُمْ﴾ عِبَادَاتِكُمْ الْمُخْتَصَّةَ بِالْحَجِّ .
﴿خَلَاقٍ﴾ الْخَلَاقُ النَّصِيبُ الْوَافِرُ مِنَ الْخَيْرِ.
﴿حَسَنَةً﴾ حَسَنَةُ الدُّنْيَا الصِّحَّةُ وَالْكَفَافُ وَالتَّوْفِيقُ لِلْخَيْرِ، وَحَسَنَةُ الْآخِرَةِ الثَّوَابُ وَالرَّحْمَةُ.
﴿وَقِنَا﴾ احْفَظْنَا فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ وَقَى يَقِي أَيْ حَفِظَ .
﴿نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾ أَيْ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ أَجْلِهِ .
﴿تَعَجَّلَ﴾ اسْتَعْجَلَ .
﴿ تُحْشَرُونَ﴾ تُجْمَعُونَ .﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أَيْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا .
﴿أَلَدُّ﴾ شَدِيدُ الْخُصُومَةِ ، يُقَالُ لَدَّهُ يَلِدُّهُ لَدًّا شَدَّدَ خُصُومَتَهُ .
﴿الْخِصَامِ﴾ الْجِدَالُ .
﴿تَوَلَّى﴾ صَارَ وَالِيًا . وَقِيلَ هِيَ هُنَا بِمَعْنَى أَدْبَرَ وَانْصَرَفَ .
﴿الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ أَيْ الزَّرْعَ وَالْوَلَدَ .
﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ أَيْ حَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ عَلَى الْإِثْمِ . كَقَوْلِكَ أَخَذْتُهُ بِكَذَا إِذَا حَمْلْتُهَ عَلَيْهِ وَأَلْزَمْتُهُ إِيَّاهُ.
﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾ أَيْ كَفَتْهُ جَزَاءً .
﴿الْمِهَادُ﴾ الْفِرَاشُ .
﴿يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ أَيْ يَبِيعُهَا .
﴿ابْتِغَاءَ ﴾ أَيْ طَلَبَ .
﴿مَرْضَاتِ﴾ أَيْ رِضَاءَ .
﴿السِّلْمِ﴾ بِكَسْرِ السِّينِ وَتُفْتَحُ: الِاسْتِسْلَامُ وَالطَّاعَةُ

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ خَرَجْتَ لِلسَّفَرِ فَوَجِّهْ وَجْهَكَ جِهَةَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ .وَإِنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَأْتُونَهُ مِنَ الْأَعْمَالِفَيُحَاسِبُكُمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مِنْهَا.

ثُمَّ كَرَّرَ هَذَا الْقَوْلَ تَأْكِيدًا وَزِيَادَةَ بَيَانٍ فَقَالَ وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ خَرَجْتَ فَوَجِّهْ وَجْهَكَ جِهَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِي أَيِّ جِهَةٍ كُنْتُمْ فَوَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ نَحْوَهُ لِتَدْفَعُوا حُجَّةَ الْيَهُودِ عَلَيْكُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ التَّوْرَاةَ قَدْ نَصَّتْ عَلَى أَنَّ نَبِيَّ آخِرِ الزَّمَانِ قِبْلَتُهُ الْكَعْبَةُ وَمُحَمَّدٌ يَجْحَدُ دِينَنَا وَيَتَبِعُنَا فِي قِبْلَتِنَا ، وَلِتَدْفَعُوا حُجَّةَ الْمُشْرِكِينَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ كَيْفَ يَدَّعِي مُحَمَّدٌ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَيُخَالِفُ قِبْلَتَهُ ، إِلَّا الْمُعَانِدِينِ الَّذِينَ لَا يُقْنِعُهُمْ أَيُّ تَعْلِيلٍ كَانَ ، فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي.

وَلُأِتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ كَمَا أَتْمَمْتُهَا بِإِرْسَالِ رَسُولٍ مِنْكُمْ يَتْلُو عَلْيْكُمُ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمُكُم مَا بِهِ سَعَادَتُكُمُ الدُّنْيَوِيَّةُ وُالْأُخْرَوِيَّةُ .

فَاذْكُرُونِي بِالطَّاعَةِ أَذْكُرْكُمْ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَاشْكُرُوا لِي مَا أَسْدَيْتُ إِلَيْكُمْ ، وَلَا تَجْحَدُوا فَضْلِي عَلَيْكُمْ، وَاسْتَعِينُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالصَّبْرِ عَنِ الْمَعَاصِي وَحُظُوظِ النَّفْسِ ، وَبِالصَّلَاةِ ، فَإِنَّهَا مِعْرَاجُ الرُّوحِ إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

هذا الكلام لا يصح شرعا من كلام الفلسفة

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿خُطُوَاتِ﴾ جَمْعُ خُطْوَةٍ .
﴿عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ أَيْ ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ .
﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ﴾ أَيْ فَإِنِ انْحَرَفْتُمْ عَنِ الصَّوَابِ .
﴿الْبَيِّنَاتُ﴾ أَيْ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ .
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى النَّفْيِ.
﴿يَأْتِيَهُمُ اللهُ﴾ أَيْ يَأْتِيهِمْ أَمْرُهُ .
﴿فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ الظُّلَلُ جَمْعُ ظُلَّةٍ وَهِيَ مَا أَظَلَّكَ . وَالْغَمَامُ السَّحَابُ الْأَبْيَضُ .
﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أَيْ تَمَّ إِهْلَاكُهُمْ .
﴿نِعْمَةَ اللهِ﴾ أَيْ آيَاتِ اللهِ فَإِنَّهَا سَبَبُ نِعْمَةِالْهُدَى .
﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ أَيْ حَامِلِي الْبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْإِنْذَارِ بِالشَّرِ لِلْكَافِرِينَ .
﴿بَغْيًا﴾ حَسَدًا أَوْ ظُلْمًا .
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ وَمَعْنَى الْهَمْزَةِ فِيهَا الْإِنْكَارُ .
﴿وَلَمَّا﴾ لَمَّا مِثْلَ لَمْ لِلنَّفْيِ إِلَّا أَنَّ مَنْفِيَّهَا مُسْتَمِرُّ النَّفْيِ إِلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ .
﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أَيْ وَلَمْ تُصِبْكُمْ حَالَتُهُمْ الَّتِي هِيَ مَثَلٌ فِي الشِّدَّةِ .
﴿الْبَأْسَاءُ﴾ شِدَّةُ الْفَقْرِ .
﴿وَالضَّرَاءُ﴾ الْمَرَضُ .
﴿وَزُلْزِلُوا﴾ وَأُزْعِجُوا إِزْعَاجًا شَدِيدًا .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَلَا تَقُولُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِمَنْ يُقْتَلُ وَهُوَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ ، بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنَّكُمْ لَا تُحِسُّونَ بِهِمْ.

وَلَنَمْتَحِنَنَّكُمْ بِقَلِيلٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَضَيَاعِ الْأَمْوَالِ وَهَلَاكِ الْأَنْفُسِ وَالْأَوْلَادِ . فَبُشْرَى لِلصَّابِرِينَ .الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ، قَالُوا إِنَّا مُلْكٌلِلَّهِ وَإِنَّا رَاجِعُونَ إِلَيْهِ .أُولَئِكَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مْنَ اللهِ رَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمَهْدِيُّونَ.

إِنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ عَلَامَات دِينِ اللهِ فَاعْمَلُوهُ . قَالَ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ : سَأَلْتُ أَنَسًا عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ : كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الِإسْلَامُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا ، فَأَنْزَلَ اللهُ : ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾. وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ، أَيْ مَنْ أَتَى بِطَاعَةٍ زِيَادَةً عَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَيَشْكُرُ لَهُ تَطَوُّعَهُ وَيُجَازِيهِ عَلَيْهِ .

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ مِنْ بَعْدِ مَا أَعْلَنَّاهَا فِي الْقُرْآنِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ النَّاسُ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا مَا أَفْسَدُوهُ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حِينَ سَأَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَغَيْرُهُ نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ عَنْ بَعْضِ مَا فِي التَّوْرَاةِ فَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ ضَنًّا مِنْهُمْ بِالْعِلْمِ .

( تَفْسِيرُالأَلْفَاظِ ) – :
﴿كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ مَكْرُوهٌ لَكُم، هُوَ مَصْدَرٌ نُعِتَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَوْ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَخُبْزٍ بِمَعْنَى مَخْبُوزٍ .
﴿وَعَسَى﴾ طَمَعٌ وَتَرَجِي ، فَيَكُونُ مَعْنَى وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، يُرْجَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ .
﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ لَيْسَ مَعْنَاهُ فِيهِ قِتَالٌ كَبِيرٌ أَيْ قِتَالٌ عَظِيمٌ ، بَلْ مَعْنَاهُ الْقِتَالُ فِيهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ .
﴿وَصَدٌّ﴾ أَيْ مَنْعٌ مُضَارِعُهُ يَصُدُّ .
﴿حَبِطَتْ﴾ أَيْ فَسَدَتْ وَهُدِرَتْ .
﴿هَاجَرُوا﴾ هَاجَرُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ .
﴿الْخَمْرِ﴾اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ خَامَرَ الْعَقْلَ أَيْ غَطَّاهُ .
﴿وَالْمَيْسِرِ﴾ اللَّعِبُ بِالْقِدَاحِ . وَكُلُّ قِمَارٍ يُقَالُ لَهُ مَيْسِرٌ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى مَاتُوا ، عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ .خَالِدِينَ فِيهَا أَيْ فِي النَّارِ( وَإِضْمَارُهَا تَفْخِيمٌ لِشَأْنِهَا ) لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ عَذَابُهَا وَلَا هُمْ يُمْهَلُونَ لِيَعْتَذِرُوا .

وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ .

إِنَّ فِي إِبْدَاعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنْ عَجَائِبِ الصَّنْعَةِ ، وَفِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَفِي جَرْيِ السُّفُنِ فِي الْبَحْرِ فِي مَصْلَحَةِ النَّاسِ ، وَفِي الْمَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ لِيُحْيِيَ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَانْبِثَاثِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيهَا ، وَتَوْجِيهِ الرِّيَاحِ فِي مَصْلَحَةِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ لَهُمْ عُقُولٌ تَعِي وَقُلُوبٌ تَشْعُرُ .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُونَ نُظَرَاءَ لِلّهِ يُعَظِمُونَهُمْ كَتَعْظِيمِ اللهِ ، وَلَكِنِ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ تَعْظِيمًا وَطَاعَةً للهِ.

لَا وَلَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِاتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ ، حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ الَّذِي يَنْتَظِرُهُمْ ، أَنَّ الْقُوَّةَ كُلَّهَا للهِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ، لَنَدِمُوا عَلَى الشِّرْكِ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

(تَفْسِيرُالأَلْفَاظِ) – :
﴿الْعَفْوَ﴾ الزَّائِدَ عَنِ الْحَاجَةِ . وَمِنْ مَعَانِي الْعَفْوِ أَحَلُّ الْمَالِ وَأَطْيَبُهُ ، وَخِيَارُ الشَّيْءِ وَأَجْوَدُهُ . وَتَقُولُ أَعْطَيْتُهُ عَفْوًا أَيْ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ .
﴿لَأَعْنَتَكُمْ﴾ أَيْ لَكَلَّفَكُمْ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ . مِنَ الْعَنَتِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ .
﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ أَيْ وَلَا تَتَزَوَّجُوهُنَّ .
﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ وَلَا تُزَوِجُّوهُمُ الْمُسْلِمَاتِ .
﴿الْمَحِيضِ﴾ مَصْدَرٌ كَالْمَجِيءِ وَالْمَبِيتِ .
﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ أَيْ مَوَاضِعُ حَرْثٍ، شَبَهَّهُنَّ بِهَا لْمَا يُلْقَى فِي أَرْحَامِهِنَّ مِنَ الْبُذُورِ .
﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ . رَدَّ عَلَى الْيَهُودِ إْذْ كَانُوا يَدّعُونَ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ عَلَى حَالَةٍ خَاصَّةٍ جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ .
﴿وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ﴾ مَا يُدَّخِرُ لَكُمْ الثَّوَابَ ، وَقِيلَ طَلَبَ الْوَلَدِ ، وَقِيلَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾ بَدَلٌ مْنْ﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ . وَالْمَعْنَى : وَلَوْ يَرَى الذِّينَ ظَلَمُوا حِينَ يَجِدُونَ الْعَذَابَ ، حِينَ يَتَبَرَّأُ الْمَتْبُوعُونَ مِنَ الْأَتْبَاعِ ، مُلَاقِينَ ذَلِكَ الْعَذَاَبَ ، وَمُنْقَطِعَةٌ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَلَاقَاتِ ، أَنَّ الْقُوَّةَ كُلَّهَا للهِ،لَنَدِمُوا عَلَى اتِّخَاذِهِمْ شُرَكَاءَ لَهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ .وَقَالَ التَّابِعُونَ : لَيْتَ لَنَا رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُوا مِنَّا ، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَلَيْسُوا هُمْ بِنَاجِينَ مِنَ النَّارِ .

يَاأَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كُلُوا مِمَّا خَلَقْنَا لَكُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا َوَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ . لَا يَأْمُرُكُمْ إِلَّا بِالسُّوءِ وَبِمَا يَأْبَاهُ الْعَقْلُ وَأَنْ تَتَقَوَّلُوا عَلَى اللهِ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ . هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَذِيذَ الْمَآكِلِ وَجَمِيلَ الْمَلَابِسِ .

وَإِذَا قِيلَ لِلنَّاسِ : اتَّبِعُوا مَا أَوْحَى اللهُ . قَالُوا : بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا . أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَهْتَدُونَ اتَّبَعُوهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ؟

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، هُنَا حَذْفٌ مُضَافٌ وَالتَّقْدِيرُ : وَمَثَلُ دَاعِي الَّذِينَ كَفَرُوا ، كَمَثَلِ إِنْسَانٍ يَدْعُو بَهَائِمَ لَا تَسْمَعُ إِلَّا أَصْوَاتًا وَلَكِنَّهَا لَا تَفْهَمُ مَعْنَاهَا ، طُرْشٌ عُمْيٌ لَا يَعْقِلُونَ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ﴾ أَيْ مُعَرَّضًا لِأَيْمَانِكُمِ
﴿بِاللَّغْوِ﴾ اللَّغْوُ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ
﴿يُؤْلُونَ﴾ يَحْلِفُونَ ، مِنْ آلَى إِيلَاءً ، وَتَأَلّى وَائْتَلَى حَلَفَ .
﴿تَرَبُّصُ﴾ أَيْ صَبْرُ وَانْتِظَارُ .
﴿فَاءُوا﴾ أَيْ رَجَعُوا، مِنْ فَاءَ يَفِيءُ فَيْئًا رَجَعَ .
﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ أَيْ يَصْبِرْنَ .
﴿ قُروُءٍ﴾ جَمْعُ قُرْءٍ وَهُوَ الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْضِ أَوِ الْحَيْضُ نَفْسُهُ .
﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ بُعُولَتُهُنَّ جَمْعُ بَعْلٍ وَهُوَ الزَّوْجُ . وَأَحَقُّ بِرَدِهِنَّ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي زَمَنِ التَّرَبُّصِ .
﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ أَيْ أَوْ تَطْلِيقٌ بِالْمَعْرُوفِ . يُقَالُ سَرَّحَ فُلَان ٌزَوْجَتَهُ أَيْ طَلَّقَهَا
﴿افْتَدَتْ﴾ أَيْ دَفَعَتْ عَنْ نَفْسِهَا فِدْيَةً لِتَخَلُّصِهَا بِهَا
﴿حُدُودُ اللهِ﴾ أَحْكَامَهُ .
﴿فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ أَيْ فَلَا تَتَجَاوَزُوهَا .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّنَا أَبَحْنَا لَكُمْ أَكْلَ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ إِلَّا مَا نَصَصْنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ ، فَتَحَرَّوْا الطَّيِّبَاتِ وَاشْكُرُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ تَخُصُّونَهُ حَقًّا بِالْعِبَادَةِ وَتُقِرُّونَ بِأَنَّهُ مَوْلَى النِّعَمِ .

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ ، فَمَنْ أَلْجَأَتْهُ الضَّرُورَةُ فِي غَيْرِ بَغْيٍ وَلَا عُدْوَانٍ إِلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ .

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ … الآية، نَزَلَتْ فِي أَحْبَارِ الْيَهُودِ ، كَتَمُوا عَنْ قَوْمِهِمْ صِفَةَ النَّبِيِّﷺ مِنْ كُتُبُهِمْ وَأَظْهَرُوا غَيْرَهَا لِيَمْنَعُوا دُخُولَهُمْ فِي دِيِنِهِ .

قَوْلُهُ : ﴿ أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ﴾ مَعْنَاهُ مَلْءُ بُطُونِهِمْ . يُقَالُ : أَكَلَ فِي بَطْنِهِ وَأَكَلَ فِي بَعْضِ بَطْنِهِ .

قَوْلُهُ:  ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾. أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُبِسَبَبِ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ( أَيْ التَّوْرَاةَ أَوِ الْقُرْآنَ) وَأَنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ لَفِي نِزَاعٍ بَعِيدٍ عَنِ الصَّوَابِ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ أَيْ آخِرَ عِدَّتِهِنَّ . وَمَعْنَى الْأَجَلِ : الْمُدَّةُ وَمُنْتَهَى الْمُدَّةِ.
﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا ﴾ أَيْبِإِرَادَةِ الْإِضْرَارِ بِهِنَّ وَالضِّرَارُ هَذَا مَصْدَرُ ضَارَّهُ يُضَارُّهُ أَيْ ضَرَّهُ.
﴿ لِتَعْتَدُوا ﴾ أَيْ لِتَظْلِمُوهُنَّ بِالتَّطْوِيلِ وَالْإرْجَاءِ إِلَى الِافْتِدَاءِ .
﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا ﴾ قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَحْرِيمًا لِلتَّلَاعُبِ بِالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ .
﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ فَلَا تَمْنَعُوهُنَّ عَنِ الزَّوَاجِ، يُقَالُ عَضَلَ الْمَرْأَةَ يَعْضُلُهَا وَيَعْضِلُهَا مَنَعَهَا عَنِ الزَّوَاجِ .
﴿ تَرَاضَوْا ﴾ أَيْ حَصَلَ الرِّضَا مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
﴿ أَزْكَى ﴾ أَيْ أَطْهَرُ، مِنْ زَكَا يَزْكُو زَكَاءً أَيْ طَهُرَ.
﴿حَوْلَيْنِ﴾ أَيْ عَامَيْنِ . وَالْحَوْلُ مَصْدَرُ حَالَ يَحُولُ أَيْ مَضَى وَتَمَّ ، وَالْحَوْلُ السَّنَةُ لِأَنَّهَا تَحُولُ أَيْ تَمْضِى. جَمْعُهُ أَحْوَالٌ وَحُؤُولٌ .
﴿ الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ أَيْ الْأَبِ .
﴿ رِزْقُهُنَّ﴾ أَيْ نَفَقَتُهُنَّ .
﴿ وُسْعَهَا ﴾ أَيْ طَاقَتَهَا.
﴿ لَا تُضَارَّ﴾ أَيْ لَا تُضَرُّ.

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ مَحْصُورًا فِي أَنْ يَتَحَّرَى الْإِنْسَانُ الْقِبْلَةَ ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الخ . فَأَهْلُ هَذِهِ الصِّفَاتِ هُمُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَهُمُ الْمُتَّقُونَ .

يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى ، فَفِي حَالَةِ الْعَفْوِ وَإِبْدَالِ الدِّيَةِ بِالْقِصَاصِ ، عَلَى مَنْ عَفَا أَنْ يُحْسِنَ الْمُطَالَبَةَ بِهَا . وَعَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يُحْسِنَ أَدَاءَهَا . ذَلِكَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ وَقَبُولِ الدِّيَةِ، تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، فَمَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ .

قَالَ الْأُصُولِيُّونَ : قَوْلُهُلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَالرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَالْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ . وَإِنَّمَا نَزَلَتْ لَمَّا تَحَاكَمَ حَيَّانِ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى الرَّسُولِ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا حُرُوبٌ ، فَأَقْسَمَ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ أَنْ يَقْتُلَ بِكُلِّ عَبْدٍ حُرًّا وَبِكُلِّ أُنْثَى ذَكَرًا . فَنَزَلَتْ تَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى .

وَفِي سَنِّ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ لِلنَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ الْعَادِينَ فَلَا يَشِيعُ الْقَتْلُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ .

(تَفْسِيرُالأَلْفَاظِ) – :
﴿ فِصَالًا ﴾ أَيْ فِطَامًا لِلْوَلَدِ بِفَصْلِهِ عَنِ الرَّضَاعَةِ.
﴿تَسْتَرْضِعُوا﴾ أَيْ تَطْلُبُوا لَهُمْ مَرَاضِعَ .
﴿ إِذَا سَلَّمْتُمْ﴾ إِلَى الْمَرَاضِعِ .
﴿ وَيَذَرُونَ﴾ أَيْ وَيَتْرُكُونُ . وَهَذَا الْفِعْلُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْمُضَارِعِ وَالْأَمْرِ .
﴿ يَتَرَبَّصْنَ﴾ يَنْتَظِرْنَ .
﴿ أَجَلَهُنَّ﴾ مُدَتَهُنَّ . وَالْمُرَادُ هُنَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهِنَّ . وَالْأَجَلُ مَعْنَاهُ مُدَّةُ الشَّيْءِ وَوَقْتُهُ الَّذِي يَحُلُّ فِيهِ . تَقُولُ ضَرَبْتُ لَهُ أَجَلًا أَيْ وَقْتًا . وَأَجَلُ الْإِنْسَانِ وَقْتُ مَوْتِهِ .
﴿ فَلَا جُنَاحَ﴾فَلَا إِثْمَ .
﴿ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ طَلَبِهِنَّ لِلتَّزَوُّجِ بِهِنَّ .
﴿ أَكْنَنْتُمْ﴾ أَخْفَيْتُمْ يُقَالَ كَنَّ الشَيْءَ فِي نَفْسِهِ يَكُنُّهُ وَأَكَنَّهُ يُكِنُّهُ أَيْ أَخْفَاهُ وَغَطَّاهُ .
﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ أَيْ حَتَى يَنَالَ الْقُرْآنُ مَا قَرَّرَهُ مِنَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
﴿ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ الْفَرِيضَةُ مَعْنَاهَا الْقِيمَةُ الْمَفْرُوضَةُ.
﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ مَتَّعَ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ أَعْطَاهَا مُتْعَةً، وَمُتْعَةُ الْمَرْأَةِ مَا وَصَلَتْ بِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ مِنْ مِثْلِ قَمِيصٍوَإِزَارٍ إلخ.
﴿الْمُوسِعِ﴾ أَيِ الْغَنِيِّ، يُقَالُ أُوسِعَ الرَّجُلُ أَيِ اغْتَنَى .
﴿ الْمُقْتِرِ﴾ الْفَقِيرِ ، أَقْتَرَ الرَّجُلُ أَيِ افْتَقَرَ .
﴿قَدْرُهُ﴾ أَيْ طَاقَتُهُ وَمِثْلُهُ قَدَرُهُ ، فَإِنَّ القَدْرَ وَالْقَدَرَ مَبْلَغُ الشَّيْءِ وَالطَّاقَةِ أَيْضًا .
﴿ مَتَاعًا ﴾ الْمَتَاعُ اسْمٌ بِمَعْنَى التَّمْتِيعِ ، وَالْمَتَاعُ أَيْضًا كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِذَا أَوْشَكَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْمَوْتِ وَكَانَ ذَا مَالٍ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرِبَائِهِ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ . وَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ سَارِيًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ تَعْيِينِ الْمَوَارِيثِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ .فَمَنْ بَدَّلَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ أَوْ الشُّهُودِ فَذَنْبُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَدَّلَهُ عَمْدًا .وَمَنْ خَافَ مِمَّنْ يُوصِي بِمَالِهِ مَيْلًا عَنِ الْحَقِّ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَأَصْلَحَ بَيْنَ الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُمْ بِإِقَامَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ كَمَا فَرَضَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ الَّتِي سَبَقَتْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَعَاصِي ، فَإِنَّ الصِّيَامَ يَكْسِرُ الشَّهْوَةَ .أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ أَيْ مُوَقَّتَاتٍ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ . وَإِنَّمَا نَصَبَ أَيَّامًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ صُومُوا .

فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا مَرَضًا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ أَوْ مُسَافِرًا فَعَلَيْهِ صَوْمُ عِدَّةَ أَيَّامِ الْمَرَضِ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . فَإِذَا أَطَاقَ أَحَدَكُمُ الصِّيَامَ وَلَمْ يُرِدِ الصِّيَامَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعًا مِنْ غَيْرِهِ فَمَنْ زَادَ فِي الْفِدْيَةِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ وفُرِضَ الصِّيَامُ بِلَا رُخْصَةٍ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَيْهِ كَمَا يُرَى فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ .

(تَفْسِيرُالأَلْفَاظِ) – :
﴿ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ أَيْ عَيَّنْتُمْ لَهُنَّ مَهْرًا .
﴿ يَعْفُونَ﴾ أَيْ يُسَامِحْنَكُمْ .
﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ ، وَمَعْنَى يَعْفُو هُوَ أَيْ يُسَامِحُ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ هُوَ مِنَ الْمَهْرِ بِأَنْ يُعْطِيَهَا إِيَّاهُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَأْخُذُ نِصْفَ مَا أعْطَاهُ مِنَ الْمَهْرِ فَيَكُونُ عَفْوًا مِنْهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ لَهَا عَنْ هَذَا النِّصْفِ .
﴿ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقِيلَ الظُّهْرُ وَقِيلَ الصُّبْحُ وَقِيلَ الْمَغْرِبُ وَقِيلَ الْعِشَاءُ .
﴿ قَانِتِينَ﴾ أَيْ ذَاكِرِينَ اللهَ أَوْ خَاشِعِينَ .
﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ أَيْ فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ خَوْفِكُمْ كَحَالَةَ الْحَرْبِ مَثَلًا .
﴿فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ أَيْ فَصَلُّوا رَاجِلِينَ أَوْ رَاكِبِينَ
﴿ وَيَذَرُونَ﴾ أَيْ وَيَتْرُكُونَ وَرَاءَهُمْ .
﴿وَصِيَّةً﴾ أَيْ فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً .
﴿ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ أَيْ أَنَّ الْمُتَوَفَّى يُوصِي قَبْلَ مَوْتِهِ أَنْ تُمَتَّعَ امْرَأَتُهُ حَوْلًا كَامِلًا بِالسُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ غَيْرَ مُخْرَجَةٍ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا مُدَّةَ الْحَوْلِ . وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِالْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تُوَرَّثَ الْمَرْأَةُ، فَلَمَّا وَرَّثَهَا الشَّرْعُ نُسِخَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ ، وَأُبْدِلَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ بِهَا أَيْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ .
﴿ فَلَا جُنَاحَ﴾ فَلَا إِثْمَ .
﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ يُمَتَّعْنَ بِنَفَقَةِ الِعِدَّةِ .
﴿ أَلَمْ تَرَ﴾ تَعْجِيبٌ وَتَقْرِيرٌ لِمَنْ سَمِعَ بِقِصَّتِهِمْ . وَقَدْ يُخَاطَبُ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَسْمَعْ فَإِنَّهُ صَارَ مَثَلًا فِي التَّعَجُّبِ .
﴿ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ أَيْ مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ .
﴿ يُقْرِضُ اللهَ﴾ أَيْ يُعْطِيهِ قَرْضًا . وَهَذَا التَّعْبِيرُ الْمَقْصُودُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ .
﴿ قَرْضًا ﴾ أَيْ سُلْفَةً

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

ذَلِكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي بَدَأَ فِيهِ نُزُولُ الْقُرْآنِ هُدًى لِلنَّاسِ وَآيَاتٍ وَاضِحَاتٍ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. فَمَنْ رَأَى مِنْكُمُ الْهِلَالَ فَلْيَصُمْ ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَلْيَقْضِالْأَيَّامَ الَّتِي أَفْطَرَهَا مِنْ شَهْرٍ آخَرَ .

يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُسَهِّلَ عَلَيْكُمْ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْكُمْ .

شَرَعَ لَكُمْ هَذَا لِتُكْمِلُوا عِدَّةَ أَيَّامِ رَمَضَانَ ، وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونُ عَلَى مَا يَسَّرَهُ لَكُمْ .

ثُمَّ أَحَلَّ اللهُ مُبَاشَرَةَ النِّسَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ ، لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الِامْتِنَاعَ فَكَانُوا يَخُونُونُ أَنَفُسَهُمْ بِفِعْلِهِ ، فَتَابَ عَلَيِهِمْ وَعَفَا عَنْهُمْ وَأَبَاحَ لَهُمْ مَا كَانَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُنَّ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَبْتَغُوا مِنْهُ مَا كَتَبَهُ لَهُمْ وَهُوَ النَّسْلُ لَا مُجَرَّدُ قَضَاءِ الْوَطَرِ .

وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَظَلُّوا لَيَالِي رَمَضَانَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ إِلَى الْفَجْرِ حَيْثُ يَبْدُو نُورُ الصَّبَاحِ مُمْتَدًّا مَعَ غَبَشِ اللَّيْلِ كَأَنَّهُمَا خَيْطَانِ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ .

(تَفْسِيرُالأَلْفَاظِ) – :
﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ أَيْ فَيُضِيفَ إِلَيْهِ مِثْلَهُ أَوْ مَثِلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ .
﴿ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ أَيْ يُقْتِرُ وَيُوسِعُ .
﴿ الْمَلَأِ﴾ الْأَشْرَافُ وَالْعِلْيَةُ وَالْجَمَاعَةُ.
﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ عَسَى بِمَعْنَى تَرَجَّى وَتَوَقَّعَ . وَالْمَعْنَى : هَلْ يُتَوَقَّعُ مِنكُمْ .
﴿ أَنَّى ﴾ أَيْ مِنْ أَيْنَ أَوْ كَيْفَ .
﴿اصْطَفَاهُ﴾ اخْتَارَهُ .
﴿ بَسْطَةً ﴾ أَيْ سَعَةً .
﴿ التَّابُوتُ ﴾ الصُّنْدُوقُ وَهُوَ الصُّنْدُوقُ الْمَحْفُوظَةُ فِيهِ التَّوْرَاةُ وَكَانَ مِنْ خَشَبِ الشِّمْشَادِ مُمَوَّهًا بِالذَّهَبِ .
﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ أَيْ فِيهِ سَكِينَةٌ لِقُلُوبِكُمْ وَاطْمِئْنَانٌ . وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا قَاتَلَ قَدَّمَهُ فَتَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ فَلَا يَفِرُّونَ .
﴿ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ﴾ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ هِيَ قِطَعُ الْأَلْوَاحِ وَعَصَا مُوسَى وَثِيَابُهُ وَعِمَامَةُ هَارُونَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ ﴾ أَيْ انْفَصَلَ بِهِمْ عَنِ الْبَلَدِ . ﴿ مُبْتَلِيكُمْ ﴾ أَيْ مُمْتَحِنُكُمْ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

بَعْدَ أَنْ تَنْوُوا الصِّيَامَ مِنْ أَوَّلِ الْفَجْرِ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ الَّذِي أَوَّلُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ ، وَلَا تُبَاشِرُوا نِسَاءَكُمْ وَأَنْتُمْ مُلَازِمُونَ لِلْمَسَاجِدِ ، تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا . كَذَلِكَ – أَيْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ – يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ مُخَالَفَةَ الْأَوَامِرِ .

وَلَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ باِلْبَاطِلِ وَلَا تَدْفَعُوهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِيُمَكِّنُوكُمْ مِنِ اغْتِيَالِ قِسْمٍ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ .

يَسْأَلُكَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَهِلَّةِ كَيْفَ تَبْدُو دَقِيقَةً ثُمَّ تَغْلُظُ يَسِيرًا يَسِيرًا حَتَّى تَصِيرَ بَدْرًا . فَأَجِبْهُمْ بِأَنَّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَلِلْحَجِّ.

وَقُلْ لَهُمْ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ تَسْأَلُوا عَمَّا لَا يَعْنِيكُمْ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ النُّبُوَّةِ وَتَتْرُكُوا مَا يَعْنِيكُمْ وَيَخْتَصُّ بِعِلْمِ النُّبُوَّةِ ، كَمَنْ يَأْتِي الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَيَتْرُكُ الدُّخُولَ إِلَيْهَا مِنْ أَبْوَابِهَا.

وَقَاتِلُوا مَنْ قَاتَلَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ .وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ مَكَّةَ كَمَا أَخْرَجُوكُمْ ، فَإِنَّ مَا يَأْتُونَهُ مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ فِي الْحَرَمِ أَشَدُّ مِنْ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ فِيهِ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿ يَطْعَمْهُ ﴾ يَطْعَمْهُ أَيْ يَذُوقُهُ.
﴿ فِئَةٍ ﴾ جَمَاعَةٍ .
﴿ أَفْرِغْ ﴾ أَيْ صُبَّ .
﴿ فَهَزَمُوهُمْ ﴾ فَكَسَرُوهُمْ، وَالْهَزْمُ وَالْهَزِيمَةُ الْكَسْرُ .
﴿دَاوُدُ﴾ هُوَ ابْنُ أَيْشَا، وَكَانَ مِنْ جُنُودِ طَالُوتَ وَمَعَهُ بَنُوهُ السَّبْعَةُ، وَدَاوُدُ أَصْغَرُهُمْ فَلَمَّا ظَهَرَتْ لِطَالُوتَ شَجَاعَتُهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ .
﴿ الْبَيِّنَاتِ ﴾ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ .
﴿ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ هُوَ لَقَبُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
﴿ اقْتَتَلَ ﴾ أَيْ تَقَاتَلَ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

وَلَا تَبْدَؤُوهُمُ الْقِتَالَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الْبَادِئِينَ .فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْتُلُوهُم ، فَإِنْ كَفُّوا عَنْ قِتَالِكُمْ وَضَلَالِهِمْ فَدَعُوهُمْ .

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى شِرْكٌ ، فَإِنْ كَفُّوا عَنِ الشِّرْكِ فَلَا تَتَعَدَّوْا عَلَيْهِمْ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ سَبَبُ نُزُولِهِ أَنَّ النَّبِيَّﷺ قَصَدَ مَكَّةَقَبْلَ الْفَتْحِ لِلْعُمْرَةِ فَمَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ ، وَكَانَ الشَّهْرُ ذَا الْقِعْدَةِ وَوَاعَدُوهُ لِلسَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ فَكَانُوا يَفْخَرُونَ بِرَدِّهِ، فَأَقَصَّهُ اللهُ وَأَدْخَلَهُ مَكَّةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشَّهْرِ .

وَقَوْلُهُ﴿ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَمَّا هَتَكُوا حُرْمَةَ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَدْخَلَ اللهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ مَكَّةَ فِيهِ اقْتِصَاصًا مِنْهُمْ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ مَعْنَاهُ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ مُحَاصِرًا لَكُمْ فَقَدِّمُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْبَانِ وَلَكِنْ لَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ وَتَتَحَلَلُّوا مِنَ الْإِحْرَامِ حَتَى تَتَحَقَّقُوا أَنَّ قُرْبَانَكُمْ بَلَغَ الْمَكَانَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْحَرَ فِيهِ .

(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) – :
﴿خُلَّةٌ ﴾ هِيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي لَا خَلَلَ فِيهَا ، جَمْعُهُ خِلَالٌ، وَالِاسْمُ الْخَلُولَةُ وَالْخَلَالَةُ .
﴿الْقَيُّومُ﴾ الدَّائِمُ الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ وَحِفْظِهِ ، مِنْ قَامَ بِالْأَمْرِ يَقُومُ بِهِ أَيْ تَوَلَّاهُ وَرَعَاهُ .
﴿ لَا تَأْخُذُهُ﴾ لَا تَسْتَوْلِي عَلَيْهِ .
﴿ سِنَةٌ﴾ السِّنَةُ فُتُورٌ يَتَقَدَّمُ النَّوْمَ .
﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ أَيْ اسْتَوْعَبَ كُرْسِيُّهُ الْكَوْنَ كُلَّهُ . وَالْكُرْسِيُّ مَعْرُوفٌ . قِيلَ كُرْسِيُّ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هَذَا تَصْوِيرٌ لِعَظَمَتِهِ . وَقِيلَ كُرْسِيُّهُ مَجَازٌ عَنْ عِلْمِهِ أَوْ مُلْكِهِ .
﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ أَيْ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُهُمَا . مِنْ آدَهُ الْأَمْرُ يَئُودُهُ أَيْ شَقَّ عَلَيْهِ وَبَهَظَهُ .
﴿ لَا إِكْرَاهَ﴾ لَا إِجْبَارَ ، يُقَالُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْأَمْرِ أَيْ أَجْبَرَهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ .
﴿ الرُّشْدُ﴾ الْهُدَى .
﴿ الْغَيِّ﴾ الضَّلَالِ.
﴿ بِالطَّاغُوتِ﴾ الطَّاغُوتُ هُوَ الشَّيْطَانُ أَوْ كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الطُّغْيَانِ .
﴿ اسْتَمْسَكَ ﴾ تَمَسَّكَ .
﴿ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ . الْعُرْوَةُ مِنَ الدَّلْوِ أَوِ الْكُوزِ مِقْبَضُهُ وَأُذْنُهُ . وَالْوُثْقَى مُؤَنَّثُ الْأَوْثَقِ أَيِ الْأَقْوَى . وَالْجُمْلَةُ تُمَثِّلُ حَالَ الْمُتَمَسِّكِ بِالْحَقِّ بِالْمُتَمَسِّكِ بِعُرْوَةٍ وَثِيقَةٍ .
﴿ لَا انْفِصَامَ لَهَا ﴾ أَيْ لَا انْقِطَاعَ لَهَا . وَفَصَمْتُهُ فَانْفَصَمَ أَيْ كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ .
﴿ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أَيْ مُتَوَلِّي أُمُورِهِمْ .
﴿ حَاجَّ﴾ أَيْ جَادَلَ .
﴿ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ﴾ أَيْ لِأَنْ آتَاهُ الْمُلْكَ أَيْ أَبْطَرَهُ إِيتَاءَ الْمُلْكِ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا مَرَضًا يُحْوِجُهُ إِلى حَلْقِ رَأْسِهِ فَلْيَحْلِقْ وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ذَبِيحَةٍ، فَمَنْ تـَمَتَّعَ بِاسْتِبَاحَةِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَدَائِهِ الْعُمْرَةَ انْتِظَارًا لِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ قُرْبَانٌ . فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فٍي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ . هَذَا الْحُكْمُ لِمَنْ كَانَ أَهْلُهُ بَعِيدِينَ عَنْهُ .

قَوْلُهتَعَالَى : ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أَيْ بِالتِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ شُهُورِ الْحَجِّ . وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقِيمُونَ أَسْوَاقًا لِلتِّجَارَة،وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ تَأَثَّـمُوا مِنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُبِيحُ لَهُمُ الِاتِّجَارَ فِي شَهْرِ الْحَجِّ .

وَهَذَا إِشْعَارٌ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِمْ لِيَحْرِمَهُمْ مِنْ الْكَسْبِ وَيُعَطِّلَ مَوَاهِبَهُمْ ، وَلَكِنْ لِيَهْدِيَهُمَ أَقْوَمَ السُّبُلِ وَيُحَفِّزَهُمْ إِلَى أَسْمَى الْغَايَاتِ .

( تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ ) – :
﴿ فَبُهِتَ﴾ أَيْ فَصَارَ مَبْهُوتًا أَيْ مُتَحَيِّرًا، يُقَالُ بَهَتَ يَبْهَتُ وَبُهِتَ يُبْهَتُ وَبَهَتَ أَيْ دَهِشَ وَتَحَيَّرَ.
﴿ خَاوِيَةٌ﴾ أَيْ سَاقِطَةً مِنْ خَوَى يَخْوِي أَيْ سَقَطَ وَتَهَدَّمَ .
﴿ عُرُوشِهَا ﴾ أَيْ سُقُوفِهَا جَمْعُ عَرْشٍ أَيْ سَقْفٍ .
﴿ أَنَّى ﴾ أَيْ كَيْفَ أَوْ مَتَى .
﴿ بَعَثَهُ﴾ أَيْ أَحْيَاهُ .
﴿ كَمْ لَبِثْتَ﴾ أَيْ كَمْ مَكَثْتَ مَيِّتًا .
﴿ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ أَيْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ .
﴿ نُنْشِزُهَا ﴾ نُرَكِّبُ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، مِنْ أَنْشَزَ اللهُ الْعِظَامَ رَكَّبَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ .
﴿ بَلَى ﴾ أَيْ نَعَمْ .
﴿ فَصُرْهُنَّ﴾ أَيْ أَمِلْهُنَّ ، مِنَ الصُّورِ أَيْ الْمَيْلِ ، فِعْلُهُ صَارَهُ يَصُورُهُ أَيْ أَمَالَهُ .
﴿ ادْعُهُنَّ﴾ نَادِهُنَّ .
﴿ سَعْيًا ﴾ أَيْ سَاعِيَاتٍ مُسْرِعَاتٍ طَيَرَانًا أَوْ مَشْيًا .
﴿ يُضَاعِفُ﴾ أَيْ يَزِيدُ الشَّيْءَ فَيَجْعَلُهُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مِرَارًا كَثِيرَةً .
﴿ وَاسِعٌ﴾ يَسَعُ جُودُهُ كُلَّ وُجُوهِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ .
﴿ لَا يُتْبَعُونَ﴾ لَا يَجْعَلُونَ بَعْدَهُ .

(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :

فَإِذَا أَتْممْتُمْ عِبَادَتَكُمُ الْخَاصَّةَ بِالْحَجِّ فَاذْكُرُوا اللهَ بِقَدْرِ ذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَكْثَرَ.وَقَدْ كَانُوا إِذَا قَضَوْا َمَنَاسِكَهُمْ وَقَفُوا بِمِنًى بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْجَبَلِ فَذَكَرُوا مَفَاخِرَ آبَائِهِمْ وَمَحَاسِنَ أُمَهَّاتِهِمْ .

اذْكُرُوا اللهَ وَأَحْسِنُوا دُعَاءَهُ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَطْلُبُ إِلَيْهِ مَطَالِبَ دُنْيَوِيَّةً وَلَا يَهْتَمُ بِنَصِيبِهِ فِي الْآخِرَةِ .وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ لِحَيَاتَيْهِ مَعًا .هَؤُلَاءِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ لَا يَضِيعُ عِنْدَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ .

وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ، أَيْ كَبِّرُوهُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وَعِنْدَ ذَبْحِ الْقَرَابِينِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ إلخ ، فَمَنِ اسْتَعْجَلَ النَّفْرَ فِي يَوْمَيْنِ وَمَنِ انْتَظَرَ إِلَى ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِذَا اتَّقَى وَقَصَدَ وَجْهَ رَبِّهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ﴾ الخ نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ . أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ بِزَرْعٍ فَأَحْرَقَ الزَّرْعَ وَعَقَرَ الْحَمْرَ . فَذَكَرَ اللهُ أَمْرَهُ إِلَى قَوْلِهِ﴿ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ مِنَ الْآيَةِ .