(تَفْسِيرُالأَلْفَاظِ) - :
﴿ مَنًّا وَلَا أَذًى ﴾ الْمَنُّ أَنْ يَعْتَدَّ بِإِحْسَانِهِ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ . وَالْأَذَى أَنْ يَتَطَاوَلَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ .
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ أَيْ رَدٌّ جَمِيلٌ .
﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ إِلْحَاحِ السَّائِلِ ، أَوْ نَيْلِ مَغْفِرَةٍ باِلرَّدِّ الْجَمِيلِ .
﴿ فَمَثَلُهُ ﴾ أَيْ فَمَثَلُ الْمُرَائِي فِي الْإِنْفَاقِ .
﴿ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ﴾ أَيْ كَمَثَلِ الْحَجَرِ الْأَمْلَسِ الَّذِي عَلَيْهِ تُرَابٌ .
﴿ وَابِلٌ﴾ أَيْ مَطَرٌ غَزِيرٌ .
﴿ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ﴾ أَيْ أَمْلَسَ نَقِيًّا مِنَ التُّرَابِ .
﴿ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ﴾ أَيْ طَلَبًا لِرِضَاءِ اللهِ .
﴿ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أَيْ وَتَثْبِيتًا لِبَعْضِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْمَالَ شَقِيقُ الرُّوحِ فَمَنْ بَذَلَ مَالَهُ ثَبَّتَ بَعْضَ نَفْسِهِ وَمَنَ بَذَلَ مَالَهُ وَرُوحَهُ ثَبَّتَهَا كُلَّهَا .
﴿ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ أَيْ كَمَثَلِ بُسْتَانٍ بِمَكَانٍ مُرْتَفِعٍ .
﴿ وَابِلٌ﴾ مَطَرٌ غَزِيرٌ .
﴿ أُكُلَهَا﴾ الْأُكُلُ والْأَكْلُ مَا يُؤْكَلُ .
﴿ فَطَلٌّ﴾ الطَّلُّ الْمَطَرُ الصَّغِيرُ الْقَطْرِ .
﴿ وَأَعْنَابٍ﴾ جَمْعُ عِنَبٍ .
﴿ إِعْصَارٌ﴾ رِيحٌ عَاصِفَةٌ تَنْعَكِسُ مِنَ الْأرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مُسْتَدِيرَةٌ كَعَمُودٍ .
(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :
وَإِذَا قِيلَ لِذَلِكَ الْكَافِرِ اتَّقِ اللهَ حَمَلَتْهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْإِثْمِ فَكَفَاهُ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَبِئْسَ الْفِرَاشُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ نَفْسَهُ طَلَبًا لِرِضَاءِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِعِبَادِهِ لَا يُكَلِّفُهُمْمَا لَا يُطِيقُونَ .
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ادْخُلُوا فِي طَاعَةِ اللهِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا سَبِيلَ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُّوٌ مُبِينٌ .فَإِنِ انْحَرَفْتُمْ عَنِ الصَّوَابِ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يُعْجِزُهُ الِانْتِقَامُ مِنْكُمْ وَهُوَ لَا يَنْتَقِمُ إِلَّا بِحَقٍّ .
مَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ اللهِ فِي قِطَعٍ مِنَ السَّحَابِ وَكَتَائِبٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَتِمَّ هَلَاكُهُمْ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ .
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ مُعْجِزَةٍ ظَاهِرَةٍ فَمَا نَفَعَتْهُمْ . وَمَنْ يُبَدِّلْ آيَاتِ اللهِ بَعْدَ مَا أُوحِيَتْ إِلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ يُذِيقُهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ .
زَيَّنَ الشَّيْطَانُ لِلْكَافِرِينَالْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَتَرَاهُمْيَهْزَؤُونَ بِالَّذِينَ آمَنُوا ، وَهُمْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) - :
﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ أَيْ وَلَا تَقْصِدُوا الْخَبِيثَ، مِنْ يَمَّمَهُ أَيْ قَصَدَهُ .
﴿ تُغْمِضُوا ﴾ أَيْ تَتَسَامَحُوا ، مَجَازٌ مِنْ أَغْمَضَ بَصَرَهُ إِذَا غَضَّهُ .
﴿ بِالْفَحْشَاءِ﴾ أَيْ بِالْبُخْلِ ، وَالْعَرَبُ يُسَمُّونَ الْبُخْلَ فَاحِشًا . وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْفَحْشَاءِ الْمَعَاصِي .
﴿وَاسِعٌ﴾ يَسَعُ بِفَضْلِهِ عَمَلَ كُلِّ مُحْسِنٍ .
﴿ الْحِكْمَةَ﴾ تَحْقِيقُ الْعِلْمِ وَإِتْقَانُ الْعَمَلِ .
﴿ وَمَا يَذَّكَرُ﴾ أَيْ وَمَا يَتَذَكَّرُ أَيْ وَمَا يَتَعِّظُ أَوْ مَا يَتَفَكَّرُ .
﴿ أُولُواْ الْأَلْبَابِ﴾ أَصْحَابُ الْعُقُولِ جَمْعُ لُبٍّ وَهُوَ الْعَقْلُ .
﴿ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ أَيْ فَنِعْمَ شَيْئًا إِبْدَاؤُهَا .
﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ التَّكْفِيرُ سَتْرُ الْإِثْمِ وَتَغْطِيَتُهُ حَتَّى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يُعْمَلْ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّكْفِيرُ بِمَعْنَى إِزَالَةِ الْكَفْرِ كَالتَّمْرِيضِ إِزَالَةُ الْمَرَضِ.
﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ أَيْ مِنْ مَالٍ .
﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ﴾ وَمَا تُنْفِقُونَ حَالَ ، كَأَنَّهُ قَالَ وَمَا تُنْفِقُونَ مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ غَيْرَ مُنْفِقِيهِ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ .
﴿ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ أَيْ أَحْصَرَهُمُ الْجِهَادُ أَيْ حَبَسَهُمْ فَانْقَطَعُوا لَهُ .
﴿ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ ذَهَابًا فِيهَا لِلتَّكَسُّبِ .
﴿ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ أَيْ مِنَ التَّعَفُّفِ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ .
﴿ بِسِيمَاهُمْ﴾ أَيْبِهَيْئَتِهِمْ.
﴿ إِلْحَافًا ﴾ أَيْ إِلْحَاحًا ، يُقَالُ أَلْحَفَ فِي السُّؤَالِ أَيْ أَلَحَّ فِيهِ
(تَفْسِيرُ الْـمَعَانِي ) – :
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً مُتَّفِقِينَ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ النَّبِيِّينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ .
وَمَا اخْتَلَفَ فِي الْكِتَابِ إِلَّا الَّذِينَ أُعْطُوهُ أَيْ عَكَسُوا الْأَمْرَ فَجَعَلُوا مَا نَزَلَ لِإِزَالَةِ الْخِلَافِ سَبَبًا لِاسْتِحْكَامِهِ تَحَاسُدًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْحَقِّ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ قَوِيمٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾ الْآيَةُ ، نَزَلَتْ فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تَجَمَّعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ وَتَحَالَفُوا عَلَى إِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَ رَسُولَ اللهِ وَصَحْبَهُ غَمٌّ شَدِيدٌ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ يَقُولُ لَهُ فِيهَا إِنَّهُ عَلَى قَدَمِ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، وَهُمْ قَدْ نَالَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ مَا جَعَلَهُمْ يَقُولُونَ مَتَى نَصْرُ اللهِ ، اسْتِبْطَاءً لَهُ ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ نَصْرَهُ وَمَكَّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ . فَاصْبِرُوا تَنَالُوا مِثْلَ عَاقِبَتِهِمْ .
قَوْلُهُ : ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ﴾ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ عَمْرُو بْنَ الْجَمُوحِ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله ﷺ وَكَانَ ذَا مَالٍ عَظِيمٍ : مَاذَا نُنْفِقُ مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَيْنَ نَضَعُهَا ؟ فَنَزَلَتْ تُعَيِّنُ لَهُ مَوَاضِعَ الْبَذْلِ ، وَهُمُ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالْأَقَارِبُ الْمُسْتَحِقُّونَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَالْمُسَافِرُونَ .
(تَفْسِيرُالْأَلْفَاظِ) - :
﴿ وَعَلَانِيَةً ﴾ أَيْ جَهْرًا .
﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ﴾ أَيْ يَخْبِطُهُ الشَّيْطَانُ . وَالْخَبْطُ الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِ نِظَامٍ .
﴿ الْمَسِّ﴾ الْجُنُونِ . يُقَالُ فُلَانٌ مَمْسُوسٌ أَيْ مَجْنُونٌ
﴿ مَا سَلَفَ﴾ أَيْ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ .
﴿ يَمْحَقُ﴾ يُنْقِصُهُ وَيُذْهِبُ بَرَكَتَهُ . وَمِنْهُ الْمُحَاقُ لِآخِرِ الشَّهْرِ إِذَا انْمَحَقَ الْهِلَالُ .
﴿ وَيُرْبِي ﴾ أَيْ وَيَزِيدُ، مِنْ أَرْبَى الشَّيْءَ زَادَهُ وَأَنْمَاهُ .
﴿كَفَّارٍ﴾ مُصِرٍّ عَلَى الْكُفْرِ .
﴿ أَثِيمٍ﴾ مُصِرٍّ عَلَى الْإِثْمِ .
﴿وَذَرُوا﴾ اتْرُكُوا ، وَهَذَا الْفِعْلُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْمُضَارِعِ وَاْلأَمْرِ .
﴿ فَأْذَنُوا ﴾ أَيْ فَاعْلَمُوا ، مِنْ أَذِنَ بِالشَّيْءِ يَأْذَنُ إِذَا عَلِمَ بِهِ .
﴿ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ أَيْ فَتَأَخُّرٍ فِي مُطَالَبَتِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ يُسْرٌ .
﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا ﴾ أَيْ وَأَنْ تَتَصَدَّقُوا ، وَالْمُرَادُ باِلصَّدَقَةِ هُنَا إِبْراءُ الْمُعْسِرِ مِمَّا عَلَيْهِ .
( َتفْسِيرُ الْمَعَانِي ) – :
كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْقِتَالَ وَهُوَ أَمْرٌ تَكْرَهُهُ نُفُوسُكُمْ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَأَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ.
قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ : ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّﷺ بَعَثَ سَرِيَّةً عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ لِيَتَرَصَّدُوا إِبِلًا لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ تِجَارَةً مِنْ بَيْنِ حُمَاتِهَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلُوهُ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ رَجَبٍ وَهُمْ يَظُنُّونَهُ مِنْ شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، وَرَجَبٌ شَهْرٌ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ فِيهِ . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، وَاسْتَرْسَلُوا فِي التَّشْنِيعِ ، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ لَهُمُ الْإِبِلَ وَالْأَسْرَى احْتِرَامًا لِرَجَبٍ .
وَمَعْنَى الْآيَةِ يَسْألُكَ الْمُشْرِكُونَ : أَقِتَالٌ فيِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ؟ فَقُلْ لَهُمْ الْقِتَالُ فِيهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ ، وَلَكِنَّ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْكُفْرَ بِهِ وَالصَّدَّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجَ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ . وَمَا فِيهِ الْكَافِرُونَ مِنَ الْفِتْنَةِ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ الَّذِي ارْتَكَبَتْهُ السَّرِيَّةُ الَّتِي يَرْأَسُهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ .
ثُمَّ نَبَّهَ اللهُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى سُوءِ نِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَبْرَحُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنِ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ، وَمَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ خَسِرَ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُمَعًا ، وَكَانَ فِي النَّارِ مِنَ الْخَالِدِينَ.