التقويم الإسلامي الهجري لمختلف بلدان العالم

I. الإشكالية: خصوصيات التقويم الإسلامي
من أجل أن يتم إعداد التقويم الإسلامي الهجري، بحيث يكون – على حد سواء- صارما ودقيقا من الناحية العلمية، ومنضبطا وأمينا من الناحية الشرعية، فمن الضروري أن نأخذ في وقت واحد بعين الاعتبار، كُلاًّ من تعاليم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهديه، والخصائص الفلكية الدقيقة.

1.I الخصائص الفلكية

 

يعتبر التقويم الإسلامي الهجري حصريا تقويما قمريا، أي أنه تقويم يتبع حركة القمر ودورانه حول الأرض مع مراعاة موضعه بالنسبة للشمس.

الشهـر الاقـتراني، وهو يعـني المدة الزمنية التي يستغـرقها القمـر خلال دورته حول الأرض حتى يعـود إلى ذات الموضع بالنسبة للشمس، وهو يـساوي 29.53 يوما. وعليه فإن مـراحل القـمـر وأطواره – وبالتالي التقـويم الهجري – ترتبط ارتباطا وثيقا بالشهـر الاقـتراني.

وللتذكير، فإن الشهـر الفلكي، وهو يعـني المدة الزمنية التي يستغـرقها القمـر خلال دورته حول الأرض حتى يعـود إلى ذات الموضع بالنسبة للكرة السماوية (أي الخلفـية النجمية)، وهو يساوي 27.31 يوما. أي أن الشهر الفلكي أقصر قليلا من الشهـر الاقـتراني، وذلك لأن الأرض تقوم بجذب القمر معها في مدارها حول الشمس. ولذلك فإن القمر يعـود إلى موقعه بالنسبة إلى الخلفية النجمية بشكل أسرع من عودته إلى موضعه بالنسبة للشمس. بـيـد أنـه لا أهـمـيـة للشهـر الفلكي بالنسبة للتقـويم القـمـري.

إن الطول الزمني للشهـر الاقـتراني هو عـدد كـسري (أي رقم غير صحيح) من الأيام. ونتيجة لذلك فإن الأشهـر القمرية تتناوب – من شهر إلى شهر- بين 29 يوما و30 يوما. ومن المعروف أنه خلال دورة 30 سنة من التقويم القمري الإسلامي، يكون فيها 19 عاما من 354 يوما (أي سنة بسيطة)، و11 عاما من 355 يوما (أي سنة كبيسة). وهذه الوتيرة تـتـبع الدورات القـمـرية، وهذا هو المنوال الذي تسير عليه الساعـة الكونية كما أنـشأها الله تعالى، ورتبها بقدرته وعلمه.

.

2.I المرجعـية الشرعـية، وتعاليم النبي (صلى الله عليه وسلم)

قال الله تعالى: “يـَسْـأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِـلَّـةِ قُـلْ هِـيَ مَوَاقِـيـتُ لِلـنَّاسِ وَالْحَجِّ”. سورة البقرة الآية: 189
إن الشهـر الهجـري يبـدأ مع ظهـور الهلال الجديد وثبوت رؤيته، كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم في عـدد من الأحاديث الشريفة.

الحديث الأول:
عن سعيد بن عمرو، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ” إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّـيَّةٌ، لاَ نَكْـتُبُ وَلاَ نَحْـسُبُ، الشَّهْـرُ هَكَذَا وَهَكَذَا. يَعْـنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَـرَّةً ثَلاَثِـينَ “. رواه البخاري، رقم: 1913، ج5، ص2485.

الحديث الثاني:
عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” صُومُوا لِرُؤْيَـتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَـتِهِ، فَإِنْ غُـبِّـيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْـمِـلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ “. رواه البخاري، رقم : 1909، ج5، ص2476.

وعليه، فإن رؤية الهـلال لازمـة لإثبات بداية الشهـر، وإلا فيجب إكمال الشهـر الحالي ثلاثـين يوما.

الحديث الثالث:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إِذَا رَأَيْـتُـمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْـتُـمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُـمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ “. رواه البخاري، رقم: 1900، ج5، ص2467.

وعليه، فإن تقدير الشهر القمري بالحساب لازم أيضا، خاصة عند تعذُّر الرؤية.

الحديث الرابع:
عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ، بَعَـثَـتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: ” فَـقَـدِمْتُ الشَّامَ، فَقَـضَيْتُ حَاجَـتَهَا، وَاسْتُـهِـلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَـرَأَيْـتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُـعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِيـنَةَ فِي آخِرِ الشَّهْـرِ، فَسَأَلَـنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَـبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِـلَالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْـتُمُ الْهِـلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْـنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُـعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْـتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: ” لَـكِـنَّا رَأَيْـنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَـزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْـمِلَ ثَلَاثِـينَ، أَوْ نَـرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَ لا تَكْـتَـفِي بِـرُؤْيَـةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَـرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “. رواه مسلم، رقم :1087، ج7، ص178.

وكل هذه التوجيهات هي من دلائل حكمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

ولنتصوّر مثلا، أن شهـر رمضان الذي هو محل السؤال كان فعلا ثلاثين يوما بالنسبة للمدينة المنورة، فستكون نتيجة اعتماد رؤية الهلال التي حصلت في الشام أن يُختصر شهـرُ رمضان تعـسـفيا إلى تسعة وعشرين يوما.

ولنفترض من باب التعميم أنه في بلاد ما، ولتكن الجزائر مثلاً، يكون عدد أيام شهر شعبان وشهر رمضان في عام من الأعوام، على التوالي ثلاثين يوما، بالنسبة للجزائر العاصمة، ويكون الشهـران على التوالي في العام ذاته – على سبيل المثال- تسعة وعشرين يوما في منطقة الواحات الواقعة بالهقار في الصحراء الجزائرية مثلا.

 

الجزائر الواحات
مدة شهر شعـبان 30 يوما 29 يوما
مدة شهر رمضان 30 يوما 29 يوما

 

 

 

والآن، لنسلّم فرضا أن البلاد الجزائرية قد شرعت في الصيام معتمدة على الأدلة التي تثبت أن عـدد أيام شهـر شعبان هي ثلاثون يوما.

ولنسلّم أيضا أن الناس في منطقة الواحات المذكورة قد رأوا هـلال شهر رمضان، وبدأوا الصيام متقدمين في ذلك بيوم على سائر البلاد الجزائرية.

 

 

 

الجزائر الواحات
1 رمضان 2 رمضان
28 رمضان 29 رمضان
29 رمضان 1 شوال

 

 

ولنفترض مثلا، أنه عند شيوع خبر هذا الاختلاف في بدء صيام رمضان، تقرر بعث فريق من الصحافة المرئية في التلفزيون الوطني، أواخر شهر رمضان؛ لرصد هلال شوال وتصويره في منطقة الواحات المذكورة؛ ليتم بثـه على الهواء، فإذا حدث هذا – وهو أمر ممكن جدا وليس مستحيل الوقوع – فما هو الموقف الذي يجب اعتماده؟

 

هل يجـب الاكتفاء برؤية الهلال – في تلك الواحة بمنطقة الهقار – والاقتصار على صوم 28 يومًا فقط ؟، أم ينبغي علينا أن نغض الطرف، ونقرر عدم اعتبار رؤية الهلال الذي يتجلى لنا في السماء، ونواصل الصيام لمدة يومين آخرين؟

وللأسف الشديد، فإن هذه الحالة ليست حالة وهمية ولا استثنائية، فكم من مرة عـشناها في الجزائر، بل وفي شتى أنحاء العالم الإسلامي ! فيا تـرى ما هو السبب ؟ وما هو التعليل المنطقي لمثل هذه الحالة ؟ إن السبب يكمن في انفراد كل نقطة من نقاط الأرض بتقـويمها الخاص بها، وهو الأمر الذي يشهـد عليه علم ميكانيكا الأجـرام الفلكية : la Mécanique Céleste.

لذا، فإنه من المناسب أن نقوم برصد الهلال ومراقبته عند بداية كل شهر هجري إما عند النقطة المعينة ذاتها – وهو أمر من الصعوبة بمكان – وإما باعتبار النقطة المعينة كنقطة مرجعية للرصد والمراقبة.

الحديث الخامس:
عن النواس بن سمعان الكلابي قال: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ،.. [ثم قال بعد ذلك]: ” يَخْـرُجُ مَا بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ، فَـعَاثَ يَمِـينًا وَشِمَالا، يَا عِـبَادَ اللَّهِ اثْبُـتُوا “، قَالَ: قُـلْـنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَبْـثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: ” أَرْبَـعِـينَ يَوْمًا، يَـوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَـوْمٌ كَشَهْـرٍ، وَيَـوْمٌ كَجُمُـعَةٍ وَسَائِـرُ أَيَّـامِهِ كَأَيّـامِكُمْ “، قَالَ: قُـلْـنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ اليَوْمَ الَّذِي كَالسَّنَةِ أَتَكْفِـينَا فِيهِ صَلاةُ يَـوْمٍ؟ قَالَ: ” لا، وَلَكِنْ اقْـدُرُوا لَهُ “. رواه مسلم، رقم : 2937، ج2، ص51.

ويمكننا أن نستخلص من هذا الحديث، أن التقدير بالحساب للتقويم الهجري هو أمر ضروري تماما، ولا غنى عنه في إعداد جداول التقويم المسبق، إنه الحـساب التقديري الذي تؤكده الرؤية الصحيحة للهلال، كما أن الرؤية الصحيحة لابد أن يثبتها الحساب التقديري الدقيق.

II. التقويم الإسلامي الهجري الأهم: تقويم مكة المكرمة

من بين التقاويم الإسلامية في مختلف دول العالم، يعتبر تقويم مكة المكرمة هو التقويم الأبرز والأهم، نظرا لكونه هو المعوَّل عليه في تحديد موعد الحج السنوي إلى بيت الله الحرام.

 

إن تقويم مكة المكرمة لا يعتبر تقويما هجريا عالميا موحَدا. ولكن أهميته الكبرى من بين بقية التقويمات الهجرية في العالم، هي التي أدت بنا إلى التركيز في أول الأمر على وضع طريقة منهجية لتحديد جداول التقويم الهجري الدقيق لتلك المدينة المقدسة. وهو السبب المباشر الذي من أجله أسمينا موقعنا الإلكتروني باسم تقويم مكة المكرمة. وقد قمنا بتعميم هذه الطريقة المنهجية وتطويرها خلال عدة سنوات، وهو الأمر الذي يسمح لنا باستخدامها من الآن فصاعدا في إعداد جداول التقويم الزمني الهجري الصارم الدقيق علميا، والمنضبط تماما مع التعاليم والمبادئ الإسلامية، بالنسبة لكل بلد من بلدان العالم، شهرا بعد شهر.

وفي ما يلي، نوضح أولا الطريقة المنهجية التي استخدمناها في إعداد جداول التقويم الزمني الهجري لمكة المكرمة، وبعد ذلك نتناول بالتوضيح مسألة تعميم تلك المنهجية على كل مختلف البلدان في العالم.

1.II كيفية الحساب المتبع في إعداد تقويم مكة المكرمة

من حيث القاعدة والمبدأ : فإننا نقوم يوم ميلاد الهلال الجديد برصد السماء في مكة المكرمة بعد غروب الشمس، سعـيا منا لإثبات الرؤية الشرعية الهلال. وفي حالة عـدم التمكن من رؤية الهلال فإننا « ننزلق » إلى جهة الغرب، نحو مدينة جدة مثلا، ثم نحو البحر الأحمر، وربما نحو الصحراء النوبية، وربما أبعـد من ذلك جهة الغرب..

ولكن، في حالة عـدم التمكن من رؤية الهلال هنالك أيضا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه : متى وأين ينبغي علينا أن نتوقف عن رصد السماء ومراقبة الهلال ؟ والجواب البديهي، إنه يمكننا أن نستمر الليل كله في رصد السماء، ومحاولة رؤية الهلال، إلى أن يحين وقت صلاة الفجـر في مكة المكرمة. كما أنه بإمكاننا أيضا مواصلة الانتقال إلى جهة الغرب حتى نبلغ الحد الأرضي الذي يتوافق مع أذان الفجر في مكة المكرمة.

وفي التطبيق العملي: فإننا تبعا لهذا المبدأ المذكور أعلاه، نقوم أولا عنـد ولادة كل هلال جـديد، بمراقـبة ورصد الهلال بداية من غروب الشمس في سماء مكة المكرمة، فإذا كان الهلال المولود حديثا مرئيا، فإن بداية الشهر الجديد تكون في اليوم التالي، تبعا لثبوت الرؤية الشرعية، وأما إذا لم نتمكن من رؤية الهلال في مكة المكرمة، فإننا ننتقل في رصدنا السماء ومراقبة الهلال إلى جهة الغـرب شيئا فشيئا، ونستمر في الرصد والمراقبة إلى غاية دخول وقت الفجر في مكة المكرمة. فإذا كان الهلال مرئيا ليلا، في أي مكان من جهة الغـرب، انطلاقا من مكة المكرمة فما بعدها، بشرط أن تثبت رؤية الهلال – في ذلك المكان- قبل حلول وقت الفجـر في مكة المكرمة، فإننا نحكم بأن بداية الشهر الجديد تكون في اليوم التالي، اعتمادا على ثبوت رؤية الهلال الجديد، كما لو كان ذلك الهلالُ مرئيا ليلا في سماء مكة المكرمة نفسها.

ونحن نسـمّي هذا المفهـوم: مفهوم الرؤية الموسعة أو الممتدة.

III. الأدوات والوسائل المستخدمة في الحساب
فيما يلي نقوم بتفصيل الأدوات والوسائل التي نستخدمها، ليس فقط لإعداد الجداول الزمنية للتقويم الهجري الدقيق الخاص بمكة المكرمة، ولكن أيضا بالنسبة لإعداد جداول التقويم الهجري الشرعي لجميع بلدان العالم الأخرى.

1.III الأداة الأساسية : منحـنيات وضوح رؤية الهـلال
عند كل ميلاد للهلال الجديد نقوم أولا بوضع المنحنيات المتعلقة بوضوح رؤية الهلال بالاعتماد على الطريقة الرياضية التي أعـدها العالم الرياضي الإنجليزي ب. د. يالوب، والتي تحظى بالقابلية والاعتراف لدى الجهات الإسلامية، والهيئات العلمية على حد سواء. وقد قام سيد خالد شوكت بتطوير هذه الطريقة وتحسينها، وهو يعتبر المرجع الأصلي لمنحنيات وضوح رؤية الهلال التي نستخدمها في موقعـنا. ولذلك فإننا نشير إلى أن الشرح التفصيلي لهذه المنحنيات موجود على الصفحة المخصصة لذلك من موقعه المسمى: www.moonsighting.com

وباختصار، فإن هذه المنحنيات تُظهـر من خلال الألوان – لكل نقطة على وجه الأرض بين ارتفاع 60 درجة شمالا، و60 درجة جنوبا- احتمال رؤية الهلال الجديد، حسب تصنيف يالـوب، كما يلي:

– القطاع الأخضر: حيث يكون الهلال مرئيا بالعين المجردة.
– القطاع الأزرق: يكون الهلال مرئيا بالعين المجردة، ولكن مع توفر الظروف الجيدة للرؤية.
– القطاع الرمادي: إمكانية رؤية الهلال ولكن باستخدام المساعدات البصرية العادية.
– القطاع الأحمر: إمكانية رؤية الهلال ولكن باستخدام المساعدات البصرية القـوية.
– القطاع الأسود: عـدم إمكانية رؤية الهلال أصلا.

2.III اخـتيار النقطة المرجعية للرؤية الموسعة للهلال
بعدما يتم وضع منحنيات وضوح رؤية الهلال بالنسبة لبداية كل دورة قمرية، نقوم بالبحث داخل هذه المنحنيات عن النقطة المرجعية التي يمكن اعتمادها لتطبيق مبدأ الرؤية الموسعة للهلال، وبالنظر إلى هذه المنحنيات نلاحظ أنه في كل شهـر تكون النقطة الأولى لإمكانية وضوح رؤية الهلال بالعـين المجردة واقـعة داخل المنطقة ذات اللون الأزرق، والتي تسبق المنطقة ذات اللون الأخضر، وعليه فمن المنطقي أن نختار- دائما- النقطة المرجعية للرصد والمراقبة من داخل المنطقة ذات اللون الأزرق.

بيد أننا لا نختار كنقطة مرجعية للرصد والمراقبة النقطة الأولى لوضوح رؤية الهلال، والتي تقع على حافة المنطقة الزرقاء، ولكن نختار نقطة أخرى تقع داخل المنطقة الزرقاء، على بعد 3 درجات إلى الغرب من موقع حافة المنطقة الزرقاء على خطوط الطول. ونحن نطلق على هذه النقطة المختارة للرصد والمراقبة اسم النقطة P. على أن اختيارنا لهذه النقطة المرجعية داخل المنطقة الزرقاء إنما تمليه علينا الأسباب التالية:

تمثل المنطقة الزرقاء نطاق وضوح رؤية الهلال للعـيـن المجردة، ولكن مع توفـر ظروف مثالية للمراقـبة. وبالنسبة لنقطة مـنـفـردة مثل النقطة الأولى لوضوح رؤية الهلال، فإنه من غـير المؤكـد أن يتـم استيـفـاء الشروط المثالية للمراقـبة. ولكننا من خلال اتخـاذنا لنقطة الرصد والمـراقبة داخل المنطقة الزرقاء، فإننا نتمتع ليس فقط بوضوح الرؤية في نقطة الرصد والمراقـبة التي اخترناها، ولكن أيضا احـتمال رؤيـة الهلال في جـميع أنحاء المنطـقة الزرقاء إلى الشرق من نقطة الرصد والمـراقـبة p ، وفي الـواقـع فـإنه إلى الشــرق من النقطة p، يكون الهلال مـرئـيـا قـبل وضوح رؤيـته في النقطة p نفـسها. فإذا كان وقـت الفجـر في مكان معين متأخرا عن وقت وضوح رؤية الهلال في النقطة p ، فـسوف يكون وقت الفجـر بلا ريب بعـد وقـت وضوح رؤية الهلال في أي نقطة سابـقـة للنقـطة p.

ومن أجل توضيح الأفكار نأخـذ مـثالا اعتباريا، ولنفترض فيه أن رؤية الهلال عند النقطة p تتحقق على الساعة 04:45 حسب التوقيت العالمي، ولنفترض أيضا أن وقت الفجر في موقع معـين L يكون على الساعة 04:50 بالتوقيت العالمي، وبما أن وقت الفجـر يكـون بعـد تحقق رؤية الهلال غرب الموقع المعـين L ، فإن الشهــر الجديد ينبغي أن يبــدأ في ذلك الموقع المعـين L. ولكن كما قلنا من قبل، فإن حصول رؤية الهلال إلى الشرق من النقطة p ستكـون قـبـل حصوله في النقطة p نفـسها، لنقــل أن رؤية الهلال تحصل على الساعة 04:40 بالتوقيت العالمي في مكان ما شرق النقطة p ، ولكن دائما داخل المنطقة الزرقاء، فإن وقت الفجر في المكان المعـين L سيكون دائما بعـد رؤية الهلال، وعليه فينبغي أن يبدأ الشهـر الجديد في هذا الموقع المعــين L.

إن الحـسابات المفصلة التي قمنا بها توضح أن المنطقة الزرقاء الموجودة شرق النقطة المختارة للرصد والمراقبة p تغطي مـساحة قــدرها 450000 كلم2، وهو ما يماثل تقريبا 67٪ من مساحة الدولة الفــرنــسية، وبالنظـر إلى هذه المساحة الممتــدة فإن احـتمال رؤية الهلال بالعـين المجـردة يكون تقــريـبا 100٪. ويمكن للقارئ أن يجد مثالا تطبيقيا لهذه الحسابات، بالنقـر على هذا الرابط، علما أن الحسابات في هذا المثال إنما تختص بحالة محددة تتعلق بشهر رمضان لسنة 1434 للهجرة، لكن على العموم، فإن هذه الحالة تتكرر مع كل الشهور القمرية.

3.III أفضل وقـت لوضوح رؤية الهلال الجديد في النقطة المرجعية

في ذات المقال العلمي الذي شرح فيه عالم الفلك البريطاني(ب . د . يـالوب) نظريته المتعلقة بأول إمكان لرؤية الهلال الجديد، وهو المقال الذي عنوانه : ” طريقة لتقدير أول وقت لإمكانية رؤية الهـلال الجـديـد “،
(“A Method for predicting the first sighting of the New Crescent Moon”)
(HM Nautical Almanac Office NAO, NAO Technical Note, Updated April 1998)
أعطى الصيغـة الرياضية التالية، والتي تسمح بتحـديـد أفضل وقت لوضوح رؤية الهــلال الجــديد بعــد غــروب الشمس في موقع معـين. وهي كما يلي:

أفضل وقـت لوضوح رؤية الهلال الجديد = توقيـت غروب الشمس + (4 \ 9) * (الفرق بين توقيت غروب الشمس وتوقيت غروب القمر).

إن هذه الصيغة تحدد بدقـة فائقة ما إذا كان الشهر الجديد يمكن أن يبـدأ في بلـد ما في اليوم التالي للمساء المرجعي أم لا. لقد سبق أن بينا أعلاه المنهجية المتبعة.

IV. تعميم استخدام هذه الطريقة المنهجية لكل بلدان العالم
إن هذه الطريقة المنهجية، بالإضافة إلى كل الوسائل المستخدمة في حساب تاريخ بداية الشهر القمري في مكة المكرمة يمكن تطبيقها واستخدامها بالنسبة لأي مكان آخر على وجه الأرض.

1.IV القاعدة والأساس
إن بداية الشهر القمري الجديد بالنسبة لأي بلد في العالم إنما تكون في اليوم التالي من اليوم المرجعي الذي تتم فيه مراقبة الهلال، إذا:

1. تحققـت ولادة الهلال الجـديد.
2. وكان الهلال الجديد مرئيا ليلا، في سماء المكان المعني.
3. أو كان الهلال مرئيا ليلا في أي مكان آخـر غرب المكان المعني، ولكن بشرط أن تتحقق تلك الرؤية للهلال قبل دخول وقت صلاة الفجر في المكان المعني نفسه.

أما إذا اختلت هذه الشروط فإن الشهـر الحالي سيستمر بزيادة يوم آخر.

2.IV الناحـية العملـية
بالنسبة لكل بلد من بلدان العالم فإننا نختار نقطة معينة للرصد والمراقبة تقع في أقصى الحدود الشرقية للبلاد المعنية؛ فإذا كان وقت الفجر عند هذه النقطة من البلاد بعد وقت رؤية الهلال (كما هو محدد بحساب أفضل وقت لرؤية الهلال، حسب معادلة د.يالوب) عند النقطة المرجعية المختارة في المنطقة الزرقاء، فإن الشهر الشرعي يعتبر قد ابتدأ في هذا البلد. كما لو أنه قد تمت رؤية الهلال في هذا البلد ذاته بعد غروب الشمس

ونحن إنما نختار نقطة الرصد والمراقبة في أقصى الحدود الشرقية للبلاد المعنية لأنه إذا ثبتت رؤية الهلال في الجهة الشرقية من البلاد قبل الفجر فمن باب أولى سيكون الأمر كذلك بالنسبة للجهة الغربية من البلاد ذاتها؛ لأن الفجر في الجهة الغربية للبلاد يكون دائما متأخرا عنه في الجهة الشرقية منها. مع التذكير بأننا نسمي هذا المفهوم: (مفهوم منطقة الرؤية الممتدة للهلال).

وفي الواقع، فإنه يجب علينا الاهتمام بشكل دقيق ببعض الحالات الخاصة، وذلك بمراعاة بعض الفوارق البسيطة في اختيار النقطة الأقصى من الجهة الشرقية لكل دولة، حيث أنه يحدث بالنسبة لبعض البلـدان أن يكون الطرف الشرقي من الدولة في أرض غير مأهولة أصلا، كأن تكون في البحر، أو في الجبال المهجورة، أو الغابات العذراء، أو الصحاري القاحلة. ولذلك فمن الناحية العملية، فإننا نختار مدينة محلية مأهـولة في الجهة الشرقية من كل دولة، بحيث يمكن معرفتها وتحديد موقعها الدقيق على الخريطة.

3.IV الحالات الاستثنائية الخاصة بالبلدان الكبرى: كالصين وروسيا وأمريكا الشمالية
• أولا دولة الصين: وهي دولة كبيرة المساحة، تمتد على نطاق واسع من خطوط الطول، حيث تمتد بين خطي طول 74 درجة شرقا إلى خط 135 درجة شرقا. ومع أن هذه البلاد تخضع إداريا لمنطقة زمنية واحدة هي (توقيت بكـين)، فإنها تعمل من الناحية العملية بشكل مختلف جدا بين الشرق والغرب. لذلك يبدو من المعقول أن نعـتمد – في الحالات المتكررة حيث لا تغطى البلاد كلها بمنطقة الرؤية الممتدة للهلال بالنسبة للنقطة المرجعية في المنطقة الزرقاء – اثنين من التقويمات المنفصلة، أحدهما خاص بالجهة الشرقية من الصين، والثاني خاص بالجهة الغربية من الصين. وعليه، فسوف يجد القارئ خيارين اثنين بالنسبة لدولة الصين في القائمة الخاصة باختيار البلدان من أجل تحميل جداول التقويم. حيث تكون المدن المختارة لاستخدامها في حساب وقت الفجر هي على التوالي: مدينة فويوان كاونتي، ولاية جياموسي، الواقعة في مقاطعة هيلونغجيانغ، على خطي (48.4 درجة شمالا ، 134.3 درجة شرقا) بالنسبة لشرق الصين. ومدينة تشنغـدو الواقعة في مقاطعة سيشوان، على خطي: (30.7تحققـت ولادة الهلال الجـديد درجة شمالا، 104.1 تحققـت ولادة الهلال الجـديد درجة شرقا) بالنسبة لغرب الصين.

• ثانيا دولة روسيا: وهي أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، وهي تمتد في نطاق واسع من خطوط الطول، بحيث تغطي تقريبا كل النصف الشمالي الشرقي من الكرة الأرضية، ابتداء من خط طول 20 درجة شرقا، بالإضافة إلى امتدادها على جزء كبير من النصف الشمالي الغربي من الكرة الأرضية، عابرة بذلك الخط الوهمي للتاريخ الدولي، وتصل إلى حدود خط طول 170 درجة غربا. و منذ شهر أكتوبر عام 2014، فإن دولة روسيا تعتمد في توقيتها 11 منطقة زمنية. ولذلك، فسيكون من غير المقبول أصلا أن نضع 11 تقويما تقديريا مختلفا لدولة روسيا وحـدها. ومن هنا فقد اخـترنا اعتباريا أن نعتمد ثلاثة من التقاويم التقديرية للبلاد الروسية في الحالات التي لا تغطى فيها البلاد كلها بمنطقة الرؤية الممتدة للهلال، كما يلي: جهة شرق روسيا، وجهة وسط روسيا، وجهة غرب روسيا، حيث تكون المدن المختارة لاستخدامها في حساب وقت الفجر هي على التوالي: مدينة يوإلن، الواقعة في مقاطعة تشوكوتكا، على خطي (66.2 درجة شمالا ، 169.8 درجة غربا) بالنسبة لشرق روسيا، وياكوتسك، في مقاطعة (ساخا) ياقوتيا ، على خطي (62.0 درجة شمالا ، 129.7 درجة شرقا) بالنسبة لوسط روسيا، ونيجنفار توفسك، في مقاطعة خانتيس مانسيس، على خطي (61.0 درجة شمالا، 76.6 درجة شرقا) بالنسبة لغرب روسيا. وعليه فسوف يجد القارئ الكريم ثلاثة خيارات لدولة روسيا في القائمة الخاصة باختيار البلدان.

مع ملاحظة أن هذا الأساس المنطقي المستخدم مع دولتي الصين وروسيا لا ينطبق على الدولتين الأخريين ذواتي المساحة الكبيرة في العالم، ألا وهما دولتي كـندا والولايات المتحدة الأمريكية. فقد تبين لنا من خلال تجاربنا أنه في جميع الحالات تقـريبا، تكون كل من الدولتين مغطاة بالكامل بمنطقة الرؤية الممتدة للهلال في المحيط الهادئ. ومع ذلك فسوف ننبه القراء في الحالات النادرة الممكنة التي تخرج فيها هاتين الدولتين عن هذه القاعدة العامة.

4.IV الحالة الاستثنائية الأخرى: العربية السعودية
أما بالنسبة للدولة السعودية فهي حالة منفصلة بذاتها، وكما قلنا من قبل فقد كانت هي الأساس الأصلي لوجود موقعنا، حيث كانت نقطة بدايته الأولى من أجل تحديد تقويم شرعي دقيق لمكة المكرمة. علما أن أقصى منطقة في شرق الدولة السعودية هي حقل نفط شيبة الواقع على خطي: (22.5 درجة شمالا ، 54.0 درجة شرقا). وفي جميع الحالات تقريبا، فإن كلا من التقويمين – تقويم مكة والتقويم المبني على الجهة الشرقية للدولة- يكونان متطابقين، لأن المملكة العربية السعودية ليست ذات مساحة واسعة جـدا بين الشرق والغرب. ومع ذلك، فقد فضلنا في القائمة المنسدلة لاختيار البلدان، أن نطلق على هذه الدولة اسما مزدوجا، وهو: مكة المكرمة / العربية السعودية، لمراعاة كون التقويم المعتمد إنما هو التقويم الخاص بمكة المكرمة. وأما بالنسبة للحالات النادرة التي يمكن أن يحدث فيها اختلاف بين التقـويمين، فسنقوم بنشـرهما معا.

V. معرض الصور الفوتوغـرافية للهلال
كلما كان ممكنا، فإننا نطلب من أناس نثـق بهم، سواء في المراصد الفلكية، أو من الجمعيات أو المجموعات الفلكية في البلدان المختلفة من العالم، أن يقـومـوا بإفـادتـنا بالتقاط صور للهلال الجديد، وذلك اعتمادا على تقـديـراتـنا لوضوح رؤية الهلال حسب منحنيات وضوح الرؤية المتعلقة بالأشهــر القمرية. وها هو معرض الصور على موقعـنا (ENG) يشهـد على موثوقـية تقــديـراتنا، ويــدل على مدى الجـديّـة في حـساباتـنا. ونحن نقوم – شهـرا بعد شهـر- بنشر شهادات مصورة فوتوغرافياً للهلال الجديد، وتجـدر الإشارة إلى أن التقاط هذه الصور يتم من دون اللجوء إلى المساعـدات البصرية.

VI. الخــلاصــــــة
لقد أثبت العالم الفلكي غاليلي، في زمانه، خلاف للمعتقـدات الفكرية الرائجة آنذاك، أن الأرض كوكب يدور حول الشمس، وليس العكس. وفي أيامانا هذه أثبت علم ميكانيكا الأجرام الفلكية، وبكل وضوح، أن لكل نقطة على وجه الأرض تقـويمها الشمسي الخاص بها، ولها أيضا تقـويمها القمري الخاص بها، بحكم الواقع الفعلي، وعليه، فلا يمكن لأي تقـويم وطني تعـسـفي أن يكون مبررا من الناحية الشـرعـية. ولحسن الطالع، فإن مفهوم الرؤية الممتدة للهلال يعتبر وسيلة قـوية لوضع تقـويم أصيل ودقيق لكل البلدان، كما أنه لا يخضع للتقلـبات التابعة للاعتبارات والقـرارات الوطنية. وهو إضافة إلى ذلك، يربط بشكل كبير بين الركن الثاني والركن الرابع من أركان الإسلام، ألا وهما الصلاة والصيام

وأخيرا، فإننا مع نشر جداول التقاويم الإسلامية الموثوقة لكل بلدان العالم نأمل أن نكون قد خطونا خطوة كبيرة نحو توحيد العالم الإسلامي حول كلمة الله تعالى، حيث يعتبر هذا الإنجاز في غاية الأهمية، نظرا لما أثبتناه حسابيا من قبلُ، باستعمال طريقة التحليل التوافقي، من أن العدد الإجمالي الممكن نظريا لجداول التقويم الإسلامي الشرعي في جميع أنحاء العالم يبلغ 584 تقويما (وصلة الرابط)، وقد كان من نعمة الله علينا أن يسر لنا – وبالصرامة العلمية نفسها – أن نختصر هذا العدد الكبير من التقويمات في تقـويم واحد فقط لكل دولة من دول العالم، يسهل حسابه ونشره شهـرا بعـد شهـر.

ونحن نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا ويوجه جهودنا في هذا الاتجاه المبارك!، وأن يحقق لنا وعده الذي وعـدنا، ” وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ؟ ” سورة التوبة:9، الآية 111 . قال الله تعالى: ” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِـفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” سورة النور:24، الآية 55.